سأتكلم اليوم وأركز بحثي حول ممارسات اجتماعية مفترضة وفروض مجتمعية ضرورية، سأتناولها بشكل عام وسأحاول أن أجعل منها حالة عامة تقبل التأويل والتأويل الآخر الموازي والمضاد أيضا وموضوعا عاما ذا خصوصية عامة. وبحثي سيرتكز إلى عدة مقومات منها:
الوعي - والموقع الإدراكي: الوعي بطبيعة أي قضية، يعتبر الخطوة الأولى على طريق التعامل معها وحلها، وهو ما يستوجب قدرا من التوازن والتعاطي بالإمكانية النسبية والتعددية الاحتمالية، خلافا لنظرية (كوبلس) ومعادلته الصفرية (اما - أو).
ومن الطبيعي أن كل أزمة ستمنحنا فرصة حقيقية للإدراك واستدراك وتصحيح الأخطاء إذا كنا في الموقع الإدراكي الصحيح، ولكنها لن تمنحنا هذه الفرصة إذا كنا في الموقع الإدراكي الخطأ.
ويجب توجيه رسالة للذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا «بأن الأخطاء تتكرر لأنها لا تنتقد»، فمن يتخذ نفس الخطوات ونفس الأخطاء يجد نفس النتائج، والنقد أحد مظاهر استيقاظ الوعي وتجديده واستنهاض التفكير واستمراره.
***
وهذا ما يقودني لمقوم آخر هو: النقد المجتمعي والتفكير النقدي والمحاسبة: فالنقد هو الذي يكشف عن قصور إنجازاتنا، لذلك فأعلى مستويات الإنجاز يتحقق حال توافر المحاسبة والمتابعة الحقيقية، وعند فضح الانحرافات، وكشف الغطاء عن الزيف والتحري.
كلما ضاقت مساحة النقد الذاتي والمحاسبة سرنا باتجاه المجهول، ووجدنا أنفسنا فجأة أمام انغلاق كامل وشامل وخروج عن معادلة التأثير.
والعكس بالعكس صحيح، فإن اتساع مساحة النقد وتقبل الرأي الآخر والمحاسبة والمتابعة يضمن صحة المسير والمسار والبقاء ضمن معادلة التأثير.
وعندما يقوم التفكير النقدي بنزع الهالة والقدسية عن الأشياء فإنه يوفر لنا مناعة ضد التناقض وخيبة الأمل والصدمات العنيفة، سواء تعلق الأمر بالتاريخ والسلم والحرب والأفراح والأتراح والفناء، وبالتالي تكتسب القدرة على العيش بأقل ما يمكن من الآلام والآمال الوهمية.
ولا يوجد عائق في هذا الأمر إلا «خيالنا» الذي يمنعنا من رؤية البدائل، ولأجل أن نتخلص من هذا المأزق علينا أن نتقبل جميع الآراء ووجهات النظر المختلفة برحابة صدر، وأن ندير الأبحاث بموضوعية وتجرد وسعي جاد وراء الحقائق، فالعاقل هو من لم يكن بينه وبين الحق عداء.
***
المقوم الآخر هو: الشجاعة: الحياد غير الموضوعي، ومحاولة السير بكل الاتجاهات، غير ممكن وليس من الشجاعة في شيء.
فالنجاح، والاختلاف، والثبات على الموقف، والمواجهة، والتغيير كل هذه العناصر تحتاج للشجاعة، والأشخاص الذين يتحلون بالشجاعة هم الأشخاص الناجحون، والأمم الشجاعة هي الأمم الناجحة.
وما عدم الشجاعة والخوف إلا وجه حقيقي لعملة الفشل والبؤس، وهو ما تشرحه الآية الكريمة: (بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) ورأس الشجاعة برأيي هو الصدق والدعوة له، وأستطيع القول ان الدعوة للصدق حتى وإن كانت كاذبة، أفضل من الدعوة للكذب حتى وان كانت صادقة.
***
المقوم الآخر المصاحب بالضرورة للشجاعة هو القوة: والقوة تنقسم إلى أمرين رئيسيين هما القوة الصلبة (القدرة)، والقوة الناعمة (العلم) ومصادره، وأحدهما لا يكفي بدون الآخر، وما أصدق غوتة حينما قال: «ليس هناك ما هو أدعى للخوف من اجتماع القدرة والجهل».
***
ختاما: (جورج برنارد شو) يقول: «دائما ما يلقي الناس باللوم على الظروف، ولكني لا أؤمن بالظروف، الناجحون في هذه الدنيا هم أناس يقومون في كل صباح، ويبحثون عن ظروف مواتية، وإذا لم يجدوها، صنعوها».
[email protected]
hammad_alnomsy@