إن دراسة الدين بمفهومه الكلي من حيث أركانه ومفاهيمه وقيمه ونماذجه بحيادية ستخلق حالة معرفية عامة لماهية الدين وفهما عاما لمعنى الدين لدى كل البشر، والأمل يكمن في فهم وقبول القيم الدينية الحقيقية وفي معرفة حقيقة الدين، إذ رغم أن مظاهر الالتزام بالدين كثيرة جدا وصاخبة في عالمنا اليوم إلا أن ذلك كله ظاهر لا باطن له وقشر لا لب له، فهو لبس لعباءة الدين، التي تحقق رغبات الإنسان وشهواته، فهو يمارس التدين دون دراية بعمق ما يمارسه.
إن المنهج في إيجاد وعى إنساني بمفاهيم وقيم الدين، والذي من خلاله يعيش الإنسان حياة راشدة سعيدة حقيقية، يرتكز على ما يلي:
أ- ان الدين حاجة وجودية تنبع من صميم وجود الإنسان والدين جوهر ينير فطرة أودعها الله عطية وهبة للإنسان وهو الضوء للبصيرة الكامنة في داخله، فالدين ليس مرحلة من مراحل تطوير الوعي البشري، بل الدين أبدي فطري وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن الدين يرتبط بنور داخلي متصل بذاكرة كل إنسان بدءا من خلقه ويستمر معه في عوالمه التي يسير فيها ويتكامل من خلالها، لأن التحدي الحقيقي يكمن في القيام بتطوير منهاجه لفهم الدين وتجديد أدوات المعرفة بنصوصه وربط هذا الفهم بحقائق العصر والواقع.
ب- لكي ندرس أثر كل دين وأنماط التدين التي تتشكل من خلال هذا الدين فإننا يجب أولا أن نستفهم السيرة الخاصة بالدارس للدين، وثانيا أن نتعرف على شخصية الإنسان المعتقد بهذا النص سواء كان فردا أو جماعة، وثالثا لابد أن نكتشف طبيعة الواقع الذي يعيش فيه ذاك الإنسان المعتقد والعصر الذي يحيا فيه بكل تفاصيله والواقع يشمل جميع مكتسبات المعرفة والخبرة الإنسانية المتداولة في ثنايا ذلك الواقع، لننتهي رابعا إلى معرفة حقيقة العلاقة بين الدين كمفهوم مقدس متعال وبين التدين كإنجاز بشري ونتاج أخلاقي إنساني.
ج - إذا أردنا أن نحكم على أخلاقية وإنسانية الدين، أي دين، فإننا يجب أن نذهب إلى النصوص المقدسة لهذا الدين، ولكن ليست هذه فقط بل يجب أن نقارنها بالديانات الأخرى مضافا إلى استكشاف مقدار تجلي القيم الإنسانية لهذا الدين وانعكاس منظومته الأخلاقية على سلوك معتنقيه، أفرادا أو جماعات، في الماضي والحاضر، علما أن الموقف الأخلاقي يفرض على اتباع كل دين الكشف عن أخطاء المتدينين وفضح الخلل العلمي لكل ما يدعو إلى التعصب والكراهية الواردة في تراثهم الديني والإنساني.
إن دراسة الأديان ومقارنتها هما المقياس الحقيقي لاختبار وفاء الأديان بوعودها ومصداقية ادعاءات أتباعها، ولا ريب أن تطبيق المناهج العلمية في دراسة كل الأديان وفرقها ومذاهبها ضرورة ملحة لتطوير فهم كل دين وربطه بواقعه والحد من الآثار السلبية للتعصب والانغلاق الديني والإنساني.