رحل عن دنيانا الفانية ابن العم الغالي إبراهيم عبدالله حنيف المزيعل، رحمه الله وأكرم مثواه، رحل عن عالمنا هذا بغتة، ولم يعد موجودا به، فترك أياما كئيبة من بعده.
فارقنا نعم ولكنه لم يفارق أحاسيسنا ومشاعرنا، فارقنا لكنه سيظل باقيا متغلغلا فيها.
فجميعنا نعلم بأنه ليس للرحيل بد، والموت مشيئة الرب، ومهما حزنا أو بكينا، ومهما تألمنا، إلا انه يبقى الموت جزءا لا يتجزأ من حياتنا.
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: «إنما الدنيا فناء ليس للدنيا ثبوت».
كما قال الشاعر أحمد شوقي:
إنما الموت منتهى كل حي **** لم يصب مالك من الملك خلدا.
سنة الله في العباد وأمر **** ناطق عن بقايه لن يردا.
وبالرغم من هذا، إلا أن شعور الفقد والرحيل والغياب الأبدي يبقى أقسى شعور بالنسبة لنا، فهو لا يستأذن عاقلنا، ولن يدفع الباب على غافلنا! فرحلت أنت إلى جوار ربك سبحانه، وبرحيلك تركت روحك معنا، تركت بصمة طيفية خاصة بك، طبعت على قلوبنا، بصمة من الصعب جدا أن تنسى، بصمة مليئة بطيبتك وطهرك وصفاء قلبك، فمن ذا الذي يستطيع أن ينسى دماثة خلقك! وعذب لسانك؟ وبشاشة وجهك! وشفافيتك! فقد كنا نرى فيك ذلك الفرح المخبوء بين حنايا زماننا.
وكم يصعب علي التعبير عن فقد رجل بمثابتك وبمكانتك الكبيرة المتقوقعة في صميم أرواحنا، رجل بمعنى الكلمة، صاحب قلب رقيق، رحوم وكريم، يتعامل مع غيره بلين، ولا يعرف طوال فترة حياته الأنانية والحقد الدفين.
صادقا بجياشة مشاعره تجاه الجميع وبالأخص «أحبابه، أصحابه، أهله وناسه»، فهو عبارة عن أبوة مبجلة، أخوه رائعة، يد حانية، والتي دائما ما تشعرنا من خلالها بلذة الإخاء فيما بيننا.
كان شامخا ببساطته، محبوبا بين الناس غير مكروه أو متصنع أو حاسد، ولم يعرف لسانه يوما أي سوء أو نقيصة، بخلاف سجيته وروعة تلقائيته.
محسنا حتى بمسايرة ولطف الآخرين من حوله، سواء قالوا ما قالوا، أو فعلوا ما فعلوا! وبعيدا عن اللوم والعتاب يحتويهم، وما هذا إلا دلالة على ما يملكه من شفافية نفس وروح.
رحلت الآن وحرمنا نحن من بشاشتك ولطف ابتسامتك، التي اعتدناها منك، والتي دائما ما كنت أعتبرها بمنزلة ورود تزرع! وتوزع بكل سخاء منك.
رحلت بعد صبرك وصراعك الطويل مع مرضك، تراكمت الهموم على عاتقك، وما ازددت أنت في المقابل إلا فوق صبرك صبرا، فكنت لا تلتجئ إلا إليه، ولا تشتكي إلا له، ولا تطلب إلا منه، ولا تتوكل إلا عليه سبحانه.
يقال: «إن الطبيب بطبه ودوائه، لا يستطيع دفاع نحب قد أتى». هذا وحتى انت في اشد الأوقات هلكة، إلا انك لم تبخل علينا أو تتخلى بسؤالك عنا.
رحمك الله يا أبا خالد رحمة واسعة من عنده، وأسكنك الفردوس الأعلى، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.