استمرارا للاتجاه الذي بدأته في وقت سابق من هذا العام، لامست أسعار النفط أعلى مستوياتها في عامين ونصف العام هذا الأسبوع، في أحدث إشارة على قوة الانتعاش المدفوع بإحكام مجموعة «أوپيك+» إدارتها للسوق وفي ظل تحسن الوضع الوبائي في أماكن متفرقة من العالم.
لكن هذا الانتعاش القوي في السوق سلط الضوء على تهديد يختمر في خلفية المشهد، وهو نقص الإمدادات إلى درجة تدفع الأسعار للارتفاع بشدة أو ما يعرف بالدورة الفائقة للسلع، ما ينجم عنه تقويض للطلب في نهاية المطاف وقتل الانتعاش.
ويتحول سوق النفط بسرعة من مرحلة فائض المعروض خلال ذروة الوباء إلى فترة من النقص المحتمل، ويحتاج المنتجون الذين تمكنوا من إدارة الركود حتى الآن إلى أن يكونوا دؤوبين في إدارة الانتعاش الذي تشهده الأسواق.
لقد قامت الدول المنتجة للنفط في مجموعة «أوپيك+»، بقيادة السعودية وروسيا، بعمل رائع في إدارة إمدادات النفط مع عودة الطلب من أكبر انهيار في التاريخ، وفي حين تقطف المجموعة الآن ثمار نجاحها وتعاونها، فربما حان الوقت لإعادة تقييم استراتيجيتها.
بداية ضعيفة ومسيرة ناجحة
بالتأكيد كانت بدايتهم (مجموعة المنتجين) هشة، وبدلا من خفض العرض مع انهيار الطلب في أبريل 2020، عززوه في بادئ الأمر، واستغرق الاتفاق بينهم بعدما التقوا في النهاية، أياما لتشكيل الصفقة التي كادت تتعثر بسبب عدم رغبة المكسيك في الاشتراك.
لكن بعد بعض التعهدات الغامضة من الرئيس الأميركي السابق «دونالد ترامب» بأن الولايات المتحدة ستعوض التخفيضات التي رفضتها المكسيك، أعلنت مجموعة المنتجين خفضا قياسيا في الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميا، والتزمت بما وعدت به.
كما هو الحال دائما، لم يلعب الجميع نفس الدور، وحصل البعض وعلى الأخص روسيا، على حصص خفض مريحة، فيما تحمل آخرون مثل العراق ونيجيريا والإمارات تخفيضات أكبر، أما السعودية فحملت على عاتقها العبء الأكبر وتحملت (لمرتين) تخفيضات إضافية ضخمة لتسريع عملية إعادة توازن السوق.
والطلب الآن يسير بشكل جيد على طريق الانتعاش حرفيا، حيث عادت حركة المرور على الطرق السريعة إلى مستويات ما قبل الوباء أو حتى أعلى منها في الولايات المتحدة والصين وأجزاء كبيرة من أوروبا.
الطيران المحلي والإقليمي آخذ في الانتعاش أيضا، وتجاوز عدد المسافرين في المطارات الأميركية مليوني مسافر يوميا لأول مرة منذ مارس 2020، فيما ارتفعت الحركة الجوية الأوروبية بمقدار الثلث في الشهر الماضي. النقطة الضعيفة المتبقية هي الطيران لمسافات طويلة، بسبب القيود المفروضة على الركاب القادمين في أجزاء كثيرة من العالم.
تغير جوهري في السيناريو
مع تحول القصة من انهيار الطلب إلى التعافي، أصبح العرض الآن متأخرا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن منتجي «أوپيك+» يريدون الاستمرار في استنزاف المخزونات، عن طريق ضخ أقل مما يستخدمه عملاؤهم لتقليل المخزون الفائض المتراكم أثناء استجابتهم البطيئة لبداية الوباء.
لكن هذا يرجع أيضا إلى أن شركات النفط لا تستثمر في الإنتاج الجديد، وهذه ليست مشكلة خطيرة بعد، لكنها يمكن أن تصبح كذلك في المستقبل.
ويفسر إحجام الشركات جزئيا إلى الضغط من المساهمين، الذين إما يضغطون من أجل نماذج أعمال أكثر وعيا بالبيئة أو يسعون لتحقيق عوائد أفضل على استثماراتهم، خاصة بعد تضرر مداخيل الصناعة بشدة في عام 2020، مما أجبر الشركات على خفض ميزانياتها.
لا تستجيب صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بعد لارتفاع الأسعار، على الأقل ليس على نطاق كبير بما يكفي لتعويض الانخفاضات من الآبار العاملة، وتوقف إنتاج البلاد عند مستوى 11 مليون برميل يوميا منذ عام تقريبا، رغم تضاعف عدد منصات التنقيب عن النفط منذ أغسطس.
وتتمتع دول «أوپيك+» بالقدرة على زيادة الإنتاج بسرعة، وتتركز الطاقة الفائضة في عدد قليل فقط من 23 دولة، لكن من المحتمل أن تكون هذه الطاقة أقل مما تشير إليه الأرقام المستخدمة في صفقة خفض الإنتاج. من المحتمل أن يكون ارتفاع الإنتاج الحقيقي المتاح 4.5 ملايين برميل يوميا، وليس 5.8 ملايين برميل.
ضرورة التحرك
بينما كانت دول «أوپيك+» ترفع الإنتاج في الشهرين الماضيين، ليس لديها حاليا خطط للقيام بذلك بعد يوليو وحتى انتهاء اتفاقها الحالي في مايو المقبل، لكن يجب أن يتغير ذلك، ومن المقرر أن تجتمع المجموعة بداية الشهر المقبل، وتواصل الاجتماع شهريا بعد ذلك، وهي بحاجة إلى العمل لمنع أسعار النفط من الارتفاع بما يكفي لخنق الانتعاش.
وتوقعت شركة تجارة السلع «ترافيجورا» ارتفاع أسعار النفط إلى حاجز 100 دولار للبرميل خلال فترة بين 12 و18 شهرا، حيث ترى أن هناك شهية قوية في السوق تجاه النفط، ما ينبئ بطلب أقوى مما كان عليه قبل الجائحة.
وفي توقعات قريبة لذلك، قال «بنك أوف أميركا» إنه رفع توقعاته لأسعار خام «برنت» للعامين الجاري والمقبل، قائلا إنه قد يصل إلى مستوى 100 دولار لفترة وجيزة خلال العام المقبل، مضيفا أن الطلب العالمي سيفوق نمو المعروض خلال الأشهر الثمانية عشرة المقبلة.
وقال وزير الطاقة السعودي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الأسبوع الماضي إن وظيفته، إلى جانب آخرين، هي ضمان عدم حدوث دورة فائقة جديدة في أسعار النفط العالمية، وللقيام بذلك سيتعين إدارة عودة إنتاج «أوپيك+» بحذر، تماما كما أدير خفضه، وفقا لموقع «أرقام».
وفي روسيا، حذر الرئيس التنفيذي لأكبر منتج للنفط في البلاد (روسنفت) من أن نقص الاستثمار في النفط يمهد الطريق لعجز حاد في الإمدادات، وقال إيغور سيتشين إن استقرار إمدادات النفط على المدى الطويل معرض للخطر بسبب نقص الاستثمار.
أرجع سيتشين ذلك إلى دعوات المساهمين إلى وقف الاستثمار في النفط وتطلعات الشركات لزيادة القيمة للمساهمين ومنح توزيعات أرباح أقوى، مضيفا أن العالم يواجه خطر حدوث عجز حاد في النفط والغاز.
وكشفت تقارير غير رسمية، الثلاثاء، عن أن مجموعة «أوپيك+» تدرس بالفعل زيادة إضافية للإنتاج بدءا من شهر أغسطس المقبل. يبدو ذلك منطقيا في ضوء تصريحات وزير النفط، وإن حدث فقد يكون خطوة على الطريق الصحيح.