تم اعتماد مؤشر لينابيرغ - مانويل للشفافية (Maduell- Linaburg Transparency Index) بشكل موسع من قبل صناديق الثروة السيادية في تقاريرها السنوية ومختلف المنشورات والوثائق ذات الصلة، ويعد هذا المؤشر وسيلة لتصنيف الشفافية فيما يتعلق بصناديق الثروة السيادية.
ولعل نرى من المناسب أن نشير إلى أفضل الممارسات الجيدة للشفافية في الصناديق السيادية، فصندوق الثروة السيادي النرويجي يعد من أفضل الصناديق السيادية من حيث الحوكمة والشفافية، وأكبرها حجما وأكثرها نفوذا، كما يعتبر الصندوق السيادي النرويجي نموذجا لأفضل الممارسات، لأنه لم يتجاهل أهمية دمج قضايا البيئة والمجتمع والحوكمة في عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية، وقد نجح الصندوق في هذا المجال محققا معدلات عائد عالية في ظل اعتماد استثماراته على التنمية المستدامة.
والنرويج بدأت في استغلال احتياطاتها من النفط والغاز في عام 1969، وفي عام 1990 أنشأت الحكومة النرويجية بقانون صادر من البرلمان صندوق الثروة السيادي، والذي أطلق عليه أولا اسم صندوق البترول، ثم تمت إعادة تسميته إلى صندوق التقاعد الحكومي، وهو ينقسم إلى قسمين الأول: صندوق التقاعد الحكومي العالمي (GPFG)والثاني: صندوق التقاعد الحكومي النرويجي (GPFN)، والهدف من إنشائه استخدام عائداتها من احتياطي النفط بعيدا عن تأثير دخل النفط المتقلب على الإنفاق الحكومي، كما هو واقع الحال في وضع الميزانية العامة لدولة الكويت وتأثيرات تقلبات أسعار النفط على نتائج الميزانية من وفر أو عجز.
ويعمل الصندوق النرويجي أيضا كأداة لتحقيق وفورات مالية طويلة الأجل، مما يضمن استفادة الثروة النفطية في النرويج ليس فقط للجيل الحالي، ولكن أيضا للأجيال القادمة، وبالتالي الوفاء بالالتزام الأخلاقي بما يتماشى مع مبدأ المساواة بين الأجيال، وتستفيد الميزانية العامة للنرويج فقط بنسبة 3% من عوائد الصندوق ويمثل ذلك نحو 20% تقريبا من ميزانية النرويج، مما يحقق الاستدامة المالية للصندوق وميزانية الدولة.
ويعد الصندوق كمستثمر مسؤول في الوفاء بهذا الالتزام الأخلاقي، وذلك من خلال ممارسة الحوكمة الرشيدة لإدارة الشركات، وتعزيز التنمية المستدامة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، واستطاع الصندوق السيادي النرويجي ككيان ربحي أن يحقق المعادلة الصعبة في التوازن بين الحد الأقصى من العائدات المالية والتنمية المستدامة، حيث اعتمد البرلمان النرويجي المبادئ التوجيهية الأخلاقية للصندوق في عام 2004، والتي توضح متطلبات التنمية المستدامة بشكل أساسي، وهي ترتكز إلى تحريم الاستثمارات التي من شأنها أن تعرض الصندوق لخطر غير مقبول للمساهمة في الانتهاكات الجسيمة أو المنهجية سواء كان متعلق ذلك في مجال حقوق الإنسان أو المجال البيئي أو المجال الأخلاقي، وقد تم إجراء عملية تقييم لتلك المبادئ في عام 2008 وتم تعديلها في عام 2010.
ولعل من أهم مقومات نجاح الصندوق السيادي النرويجي هو التزامه بمبادئ الاستثمار المسؤول المستدام (ESG)، وهو الاستثمار الذي يراعي عوامل أخرى بخلاف التركيز على البيانات المالية وأداء القطاعات المستثمر بها، وهي اعتبارات ترتكز إلى مبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول (UN PRI)، وكما أشرنا سابقا قد نجحت فلسفة الإدارة النرويجية لصندوقها السيادي في الدمج ما بين تعظيم العوائد المالية وتحقيق الاستثمار المستدام مستغلة بذلك حجم صندوقها وتأثيره الاستثماري.
لذلك وفي هذا السياق فإن المقترح الذي تقدم به بعض النواب، والذي سبق الإشارة له سابقا بطلب تعديل قانون الهيئة العامة للاستثمار، بما يسمح بنشر تقارير دورية عن أداء الهيئة والصناديق السيادية التي تديرها في رأيي يعتبر تعديلا منقوصا، فهو لن يحقق مبادئ الحوكمة بمفهومها الشامل وإنما يحقق قدرا ضئيلا منها، وباعتقادي أن مقترح التعديل التشريعي هذا لن يفضي إلى الدور الرقابي للسلطة التشريعية على النحو المطلوب.
وعليه يتطلب أن يكون هناك تعديلا تشريعيا يحقق المشاركة الفعالة لمجلس الأمة في تحقيق إدارة حكيمة للصناديق السيادية، ولا اقصد هنا المشاركة في الإدارة التنفيذية بما يخالف أحكام الدستور، وإنما المقصود بها المشاركة المسؤولة فيها كما هو متبع في النرويج.
baderalhammad.com