عبدالعزيز جاسم
من كان يتوقع أن تظهر بطولة «يورو 2020» بهذا الشكل الرائع رغم كورونا والموسم المرهق المتعب الذي صاحبه إصابات بالجملة، ولم يكن المستوى هو الأمر اللافت فقط في البطولة، بل التقلبات الكبيرة التي صاحبتها منذ انطلاقتها حتى إعلان آخر منتخب متأهل للدور ربع النهائي، وقد تلخص لقطة نجم انجلترا رحيم ستيرلينغ في مباراة ألمانيا مدى الإثارة والتشويق والتحول من الحزن إلى الفرح في لحظة والعكس كذلك، فعندما مرر ستيرلينغ الكرة بالخطأ انفرد على إثرها مولر كانت الكاميرات ترصد الحدثين رحيم يضع يده على رأسه ومولر ينطلق وينتظر أن تتفجر ملامحه بالابتسامة بتسجيل الهدف الأول في مرمى بيكفـــــورد لكنه أضاع الكــــــرة بغرابـــــة وسقطت مع كرته آمال ألمانيا بالعودة بينما عاد الفتى الانجليزي إلى وضعه الطبيعي وعاد أكثر نشاطا وحيوية كل تلك الأمور حصلت بثانية تقريبا لكنها ستظل خالدة في عقول عشاق الكرة لعقود.
وبعيدا عن اللحظات المؤثرة ورد فعل الجماهير وما تفعله، هناك أمور فنية كثيرة ودروس وعبر لجميع لاعبي العالم خصوصا في مسألة المنتخبات الكبيرة «تكسب» أو ان المهارة هي الأساس وستقودك للانتصار، جميعا نؤديها ونحبها لكنها لم تعد هي الأصل بل هناك عوامل أخرى كاللياقة البدنية والسرعة العالية في التحول من الدفاع للهجوم والعكس بالإضافة إلى الروح القتالية كالتحامل على الإصابة أو البقاء والصمود في الملعب رغم حالة الإرهاق الكبيرة كل ذلك شاهدناه في هذا «يورو 2020».
صدمة فرنسية
يعتبر خروج منتخب فرنسا هو أكبر صدمة في كأس أمم أوروبا الحالية لأنه المرشح الأول والأبرز والأجهز ويمتلك نجوما من الدفاع للهجوم «لو تم توزيعها على منتخبين لوصلوا إلى النهائي معا» إلا أن ما فعله منتخب سويسرا أثبت للجميع أن «الورق لا شيء» بل السر في القتال بالملعب، فالعودة بالنتيجة من 1-3 إلى 3-3 خلال دقائق معدودة أمر صعب جدا خصوصا أمام فرق ذات خبرة ومدججة بلاعبين يحملون العديد من البطولات.
المجموعة الأقوى.. كلام
قبل انطلاق البطولة وحتى بدايتها ومن ثم الوصول إلى الدور الثاني كان الجميع يشيد بالمنتخبات الثلاثة فرنسا والبرتغال وألمانيا ويحتار في اختيار من سيكون في النهائي أو البطل منهم إلا أن كل ما قيل لم يكن صحيحا، ففرنسا ودعت بطريقة ذكرنها، والبرتغال عجزت عن هز شباك بلجيكا وودعت أمام منافس قوي، بينما عجزت ألمانيا عن فك شفرة الإنجليز هذه المرة وعادت إلى بلادها بكل حسرة وألم.
أبطال الصمود
وإذا ذكرنا الخيبات والحسرات الكبيرة لأبطال القارة فعلينا أن نذكر أبطال الصمود والمفاجآت ومن منحوا «يورو 2020» رونقا آخر ومخالفا لجميع التوقعات، فمن كان يظن أوكرانيا ذات المستوى العادي والمتواضع صاحبت الـ 3 نقاط والتي تأهلت كآخر منتخب من أفضل 4 منتخبات احتلت المركز الثالث ستصل إلى ربع النهائي وتخرج السويد التي توقع لها الجميع أن تصل بعيدا بعد تصدرها لمجموعة إسبانيا، وبنفس الخطى سارت سويسرا التي أقصت بطل العالم في مباراة دراماتيكية لم تكن على البال.
ويعتبر المنتخب الدنماركي هو أول من أطلق ثورة تغيير الترشيحات بعد فوزه الكاسح على ويلز برباعية دون رد وبمستوى لافت، وعلى الرغم من أن الدنمارك ذات إرث كروي زاخر، إلا أن الأداء في البطولة ومستوى ويلز كان يرشح الأخيرة لخطف بطاقة التأهل.
ولم توقف التشيك هذه الانتفاضة بل سارت على الخطى وتمكنت من إزاحة أحد أقوى المنتخبات بدور المجموعات «الطواحين الهولندية» التي حصدت العلامة الكاملة في دور المجموعات بهدفين دون رد وبمستوى يفوق التوقعات.
منتخبات مرشحة
قد يكون خروج النمسا الصعب على يد إيطاليا متوقع لأن أبناء المدرب مانشيني يسيرون في الاتجاه الصحيح حتى قبل انطلاق البطولة وهو أحد أقوى المرشحين للقب، فيما يعتبر توديع ألمانيا للبطولة صدمة لجمهوره لكنه لم يكن صادما للخبراء بسبب قوة المنافس وثبات مستواه بالآونة الأخيرة بعكس منافسه، بينما كانت مواجهة كرواتيا وإسبانيا صعبة على الطرفين، إلا أنها حسمت لصالح «الماتادور» الذي يبدو أن مستواه في ارتفاع من مباراة إلى أخرى بعكس البداية، ربما تكون البطولة بمنزلة تحقيق الأماني والطموحات لجيل يعتبر الأبرز بتاريخ بلجيكا وها هي الخطوة بدأت بإخراج حامل اللقب البرتغال لكنه طريقه مليء بالعقبات، خصوصا أن ربع النهائي سيواجه من خلاله «الأزوري».
كل تلك الأمور التي حدث في «يورو 2020» تدل على أن كرة القدم في أوروبا «غير» ومختلفة عن جميع القارات فهي تحمل التكتيك والفن والمهارة والروح والقتال والتنظيم والجمهور المتعطش المتحمس، وخير ما يجب قوله عن الكرة في أوروبا هو «الجنون فنون».