ليس كل ما نراه بأعيننا يمثل الحقيقة، لأنها لا تعكس الواقع الحقيقي، والجوهر أو المضمون يظهر في التعامل والممارسات اليومية، قد يعجبنا منظره وشكله الخارجي ونلهث من أجل اقتنائه وشرائه والتقرب منه ولكن بعد فترة نكتشف زيفه وخداعة ومكره، وأن المضمون أو الجوهر فارغ وضعيف جدا.
وقد تستهوينا وردة أخاذة في جمالها لكن تدمي يدنا بأشواكها ومنظرها الخادع، وقد نلتقط حصاة جميلة برونقها الزاهي وبهذه الحصاة قد تدمر وتكسر الزجاج وتحطمه وتتلفه، فالمظاهر خداعة قد تبهرنا المعادن البراقة واللماعة وعندما نقترب منها نكتشف أنها معادن لا قيمة لها وهي زائفة، والكثير من البشر اهتموا بالمظاهر الزائفة بالملبس والمسكن ولكن الجوهر والمضمون فارغ ولا يعبر عن حقيقتهم.
المظاهر خداعة وجمال النفس يسعد صاحبها ومن حولها، وجمال الصورة يشقي صاحبها ومن حولها والنفوس النقية هي نفوس نادرة تسعدنا.
ويحكى في قديم الزمان أنه كانت هناك بلدة دبّ الذعر والفزع بين عامة الناس فيها بسبب شرذمة من اللصوص والقراصنة قطاع الطرق بأعمالهم الشينة والمهينة، ففكر الوالي بحيلة يقضي بها عليهم حيث ملأ صناديق القوافل بالحلوى المزينة والمزركشة وسممها، فالتهم اللصوص الحلوى وقضى عليهم بخداعهم ولم يعرفوا مضمون الحلوى.
وما يصلح لذوي الحنكة وصحة الرؤية يكون بطول الممارسة وكثرة التجارب ومرور العبر على أسماعهم.
وآية العقل سرعة الفهم وغايته إصابة الوهم، والتجارب مرآة العقل، والغرة ثمرة الجهل، وقال بعض الحكماء كفى بالتجارب تأديبا وبتقلب الأيام عظة:
الم تر أن العقل زين لأهله
ولكن تمام العقل طول التجارب
والموصوف بالخداع والدهاء والمكر مذموم وصاحبه محذور تخاف غوائله وتحذر عواقب حبائله.
إياك وصحبة الوضعاء والسفلة وقد تكون للثقة في بعض الأحيان خيانة، فالعين تريك السراب شرابا، وهذه الأذن تسمعك الخطأ صوابا فلست بمعذور إن وثقت بمحذور وهذه حالة الواثق بعينة السامع بأذنه.
اجتنب الرديء السمعة والخبيث كلمته يوقعك ثم لا يعذرك فاجتبنه ولا تقربه. عندما يتلهى الناس ويستبدلون الحلو بالمر وقدم الخسيس والرديء على الحر الأصيل وبيع الدر بالخزف والخز بالخشف ومن باع درا على الفحام ضيعه وأظهر كل لئيم كبره، فالوشاة إن سعوا لا يعقلون، ويحبون أن يحمدوا بم لم يفعلوا وطباعهم منكرة ومستقذرة، والمنافق عليم اللسان جاهل القلب والعمل، وقد يلبسون أشياء ثمينة ليتباهوا بها وليماروا بها السفهاء وقلوبهم كقلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، أي يخادعون ويستهزئون وقد يخدعك إنسان فيتبهرج بالصلحاء وليس منهم ويتدلس في الأخيار وهو ضدهم، فالمتزين بما لبس فيه كلابس ثوب زور وهو الذي يلبس ثياب الصلحاء، فهو بريائه مذموم الذكر.
ومن لم ينظر إلى المرآة لم ير محاسن وجهه وعيوبه فلينظر الإنسان إلى عيوبه ومحاسنه.
وإذا ضاعت الأشراف هلكت الأتباع ولا تصلح الناس إلا على اشرافهم.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
عليكم بمجالسة العلماء والأخيار من المشايخ فهم أشجار الوقار وينابيع الأنوار وكذلك مشاورة الشباب بآرائهم المستنيرة، فهذه المجالس الطيبة ترشدكم من الشك إلى اليقين ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكبر إلى التواضع ومن العداوة إلى النصيحة وترك التجمل والترفه في الأثاث والمسكن والملبس وعليكم بالاهتمام بالجوهر ومقت المظهر.
[email protected]