في عام 2018، ضجت وسائل الإعلام العالمية بالحديث عن «اليوم صفر» في مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية، والتي عانت آنذاك موجة جفاف قاسية، تركت السكان المحليين يكافحون للحصول على حاجتهم من المياه، حتى إن السلطات منعت الاستحمام في الفنادق.
هذه الأزمة التي أفزعت الكثيرين حول العالم سلطت الضوء على أزمة أكبر نطاقا آخذة في التفاقم، وهي «ندرة المياه» عالميا، خاصة مع تكرار نموذج الجفاف هذا بدرجات متفاوتة في أنحاء متفرقة، علاوة على نزاعات في أماكن أخرى لتأمين وصول الإمدادات الكافية.
ووفقا للأمم المتحدة، من المتوقع أن تحدث ندرة المياه والجفاف أضرارا أوسع نطاقا، تتجاوز آثار جائحة كورونا خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وقال مامي ميزوتوري، الممثل الخاص للحد من مخاطر الكوارث في المنظمة، ان الجفاف على وشك أن يصبح الوباء التالي ولا يوجد لقاح لعلاجه.
وتسبب الجفاف بالفعل في خسائر اقتصادية لا تقل عن 124 مليار دولار وتأثر أكثر من 1.5 مليار شخص بين عامي 1998 و2017، وفقا لتقرير للأمم المتحدة الذي نشر في يونيو، ومع ذلك فإن هذه الأرقام أقل من التقديرات الإجمالية على الأرجح.
المياه أهم مورد متجدد في العالم، ونظرا لتوافرها وتكلفتها المنخفضة نسبيا لا تميل عادة إلى جذب الكثير من الاهتمام حتى نفاد المورد بشكل واضح، لكن في ظل اعتبار أزمة المناخ مضاعفا للمخاطر المؤدية إلى ندرة المياه، يحذر المحللون من أنه حتى الشركات ذات التعرض المالي المحدود نسبيا لمخاطر المياه يجب أن تستعد للاضطراب.
كيف تبدلت الأحوال؟
تأتي المخاوف المتعلقة بالشركات في وقت ترتفع فيه أسعار المياه حول العالم. ارتفع متوسط سعر المياه بنسبة 60% في أكبر 30 مدينة أميركية بين عامي 2010 و2019، وفقا للبيانات التي جمعها «باركليز»، بينما قفزت عقود كاليفورنيا الآجلة للمياه بنسبة تصل إلى 300% في السنوات الأخيرة.
وفي مذكرة بحثية نشرت في 14 يونيو، حدد المحللون في مصرف «باركليز» ندرة المياه على أنها «أهم مصدر قلق بيئي» لقطاع السلع الاستهلاكية العالمية، والذي يشمل كل شيء من الأغذية والمشروبات إلى الزراعة والتبغ.
وقال محللو المصرف البريطاني إن السلع الاستهلاكية الأساسية، التي تعرف بأنها الأكثر تعرضا لمخاطر المياه من بين جميع القطاعات، تواجه تأثيرا بقيمة 200 مليار دولار من ندرة هذا المورد الحيوي.
ويرجع ذلك إلى الاعتماد القوي على السلع الزراعية، والضعف الشديد أمام تقلبات أسعار المياه والمخاطر التشغيلية، بما في ذلك الاضطرابات الناجمة عن الأحداث الطبيعية القاسية مثل الجفاف والفيضانات وأيضا الغرامات والدعاوى القضائية المرتبطة بالتلوث.
ووجد البنك أن التعليقات المرتبطة بالمياه في سجلات الشركات في العام الماضي قفزت بنسبة 43% مقارنة بنهاية عام 2019، والتي قال إنها تعكس وعيا متزايدا للشركات بالمخاطر المرتبطة بالمياه النظيفة والصرف الصحي.
في غضون ذلك، يبدو أن المستثمرين المستدامين يعطون الأولوية للشواغل البيئية الأخرى، حيث قال محللو «باركليز» إن الكثيرين يركزون بشكل أساسي على التأثير المحتمل لارتفاع تكاليف الكربون، فيما وجد البحث أن التأثير المالي المحتمل لمخاطر المياه من المرجح أن يكون أعلى بثلاث مرات من مخاطر الكربون.
تكلفة التكاسل
قالت بيث بوركس، مديرة التمويل المستدام في وكالة «ستاندرد آند بورز»، إن ندرة المياه قصة مهمة حقا لأنها عندما تنفد تتسبب في مشاكل خطيرة، وبسبب انخفاض سعرها فإنها تعد واحدة من تلك المخاطر الخارجية الكلاسيكية، والتي يجب إدارتها بعناية فائقة وبشكل مدروس خاصة أنه ليس هناك وسيلة التسعير الطبيعية التي تساعد في الحفاظ عليها.
ولا تعكس أسعار المياه ندرتها، خاصة أن استخدامها غالبا ما يكون بتكلفة منخفضة جدا أو حتى بالمجان، ومع ذلك، فإن توافر المياه يدعم أجزاء كثيرة من الاقتصاد، وعزا المحللون في «باركليز» الارتفاع الأخير في أسعار المياه العالمية إلى ندرة المورد المتزايدة.
وقدر البنك أن ما يسمى بـ «التكلفة الحقيقية» للمياه كانت أكبر بثلاث إلى خمس مرات من السعر الذي تدفعه الشركات حاليا، وقدر أيضا أن معالجة قضية الإدارة الاستباقية للمياه ستكلف قطاع السلع الاستهلاكية العالمية 11 مليار دولار، وهذا يجعل تكلفة عدم اتخاذ أي إجراء أكبر بنحو 18 مرة من تكلفة الإجراء.
ويعتبر التعرض لقطاع الزراعة «المحدد الرئيسي» للمخاطر المالية الناجمة عن ندرة المياه، حيث تواجه الأعمال التجارية الزراعية تأثيرا سلبيا بنسبة 22% في الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك، ومن بين الشركات الأكثر عرضة للخطر «يونيليفر» و«كولجيت» و«ريكيت بينكيزر»، التي تواجه تأثيرا بنسبة 40% إلى 50%.
وقد حذرت الأمم المتحدة من أن فشل الحكومات في جميع أنحاء العالم في إعطاء قيمة واضحة للمياه يؤدي إلى هدر المورد على نطاق واسع ونقص المياه وارتفاع الأسعار بالنسبة للفقراء والفئات الأكثر احتياجا.