- الأفراد يبادرون باتخاذ إجراءات احترازية لتقليل الخسائر المحتملة قدر الإمكان خلال الأزمات
عصفت الجائحة والأزمات اللاحقة بالعديد من الثوابت والقواعد التي شكلت معالم الدول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ودفعت العالم إلى سنّ لوائح واتخاذ إجراءات استثنائية لم تكن متوقعة، لكنها كانت ضرورية للاستجابة إلى الضغوط.
وهرعت البنوك المركزية إلى تخفيف سياستها وطمأنة الأسواق بتوفير السيولة الرخيصة، لحمايتها من زلزال هبوطي ربما ما كانت لتستفيق منه في أي وقت قريب، وبادرت الحكومات بإقرار حزم إنفاق ضخمة وإعطاء المال للمحتاجين، من أجل تخفيف الضغوط ودعم الاقتصاد.
وما أطاح بثوابت هذه الكيانات الضخمة التي تشكل قوام البلدان وأعمدة الاقتصادات، لم يكن هينا بالمرة على الأفراد، ومن السهل في مثل هذه الظروف دفعهم أيضا إلى التخلي عن بعض ثوابتهم، وتبني استراتيجيات دفاعية، خاصة فيما يتعلق بأمنهم المالي.
وفي أوقات الاضطراب، وكما تفعل الدول لحماية الهيئات التنظيمية، يتخذ الأفراد إجراءات احترازية لتقليل الخسائر المحتملة قدر الإمكان، والاستعداد للتقلبات غير المحددة التي قد يحملها المستقبل، وفي سبيل ذلك، قد يتخلون عن بعض عاداتهم المالية التي شكلت طويلا استراتيجيتهم الاستثمارية والطريقة التي يتعاطون بها مع النقود.
لكن على عكس الهيئات التنظيمية ومجالس البنوك المركزية والحكومات، فإن عملية استبدال الإنسان لعاداته الشخصية، بما في ذلك العادات المالية، قد تحدث داخل رأسه وبشكل تلقائي، ودون الحاجة لاجتماعات مسبقة أو تصويت الأغلبية لصالح قرار بعينه.
ماهية العادة؟
منذ العام الماضي، وتحديدا الفترة بين بداية فصل الربيع ونهاية فصل الخريف، يعيش العالم أوقاتا عصيبة، خلال أوقات الاضطراب، يمكن أن تساعد العادات العقلية أصحابها أو ربما تؤذيهم، سواء في استثماراتهم أو في حياتهم اليومية، لكن ما هي العادات المالية وكيفية التخلص منها؟.
ويستخدم مصطلح «العادة» بطرق عدة، ولكن للباحثين معنى محدد ومهم، فإن العادات هي سلوكيات تلقائية تنطلق من بيئات الناس، حيث تبحث العقول البشرية باستمرار عن طرق لأتمتة المهام الشائعة، حتى يتمكن المرء من تحرير موارده العقلية النادرة للتركيز على أشياء أخرى.
وأي إجراء يكرر مرارا وتكرارا في سياق مستقر قد يبدأ في أن يصبح آليا، وبالتالي يتحول إلى عادة تعتمد العادات على محفز، أو شيء يخبر الجسم بالتصرف، ويمكن أن يكون المحفز موقفا محددا، مثل «عندما تصل إلى مكتبك، تتحقق من حال سوق الأسهم»، أو ربما يكون حالة ذهنية، مثل «عندما تنتظر في طابور، تخرج هاتفك».
والعادات هي برامج عقلية صغيرة تعمل تلقائيا، وتحرر عقول البشر الواعية للتعامل مع مشاكل أكثر تعقيدا أو جديدة، وهي بحكم التعريف، غير واعية، أي أنه بمجرد البدء في تنفيذها آليا، لا يفكر الناس فيهم، فقط عندما يرون المحفز يردون بالتنفيذ مباشرة.
أمثلة للعادات المالية
قد تكون دراسة التمويل الشخصي (خارج منظومة التعليم الرسمية)، سبيلا لعدد قليل من الناس، لجمع المعرفة المطلوبة لاتخاذ قرارات استثمارية حكيمة أو تبني العادات المالية الجيدة.
وعلى جهة أخرى، يضطر الباقون إلى التعلم بالطريقة الصعبة بمجرد أن يبدأوا في الاستثمار، بمعنى أنهم يجربون ويخطئون ثم يتعلمون وبعد ذلك يشكلون عاداتهم الصحية، منصات التداول الإلكترونية التي تستهدف المراهقين ربما تساعد في سد هذه الفجوة من وجهة نظر بعض المحللين.
وبالنسبة لمعظم الناس، فإن تحقيق النجاح كمستثمر يعني الوصول إلى أهدافهم المالية، مثل امتلاك منزل أو دفع رسوم جامعية أو الحصول على التقاعد الذي تريده، وما يفصل المستثمرين الأكثر نجاحا عن غيرهم، هو العادات الاستثمارية الفعالة، بحسب شركة الخدمات المالية الأميركية «Fidelity Investments».
العادات المالية الناجحة، وفقا لـ «فيدليتي» هي أن يبدأ الشخص طريقه الاستثماري بوضع خطة مالية لتقييم وضعه وتحديد أهدافه ومعرفة كيفية تحقيقها، ثم تأتي بعد ذلك عادة «الادخار الكبير» والتي تنصح الشركة بوضع حد أدنى له عند 15%، وثالثا توجه المستثمرين باعتياد التنوع في بناء محافظهم.
وتقول «فيدليتي» إنه على المستثمر أيضا التمسك بخطته رغم التقلبات، وخامسا يجب النظر دائما في المنتجات الاستثمارية منخفضة الرسوم التي تقدم قيمة جيدة، أما العادة السادسة التي يجب تبنيها للنجاح فهي التركيز على المنتجات التي تولد عائدات أعلى بعد خصم الضرائب.
كيف تتأثر بالاضطرابات
عندما تتغير البيئة من حول الإنسان (عندما يبدأ العمل من المنزل مثلا) تتعطل محفزات العادات أيضا، في السابق، كان بالإمكان الاعتماد على العادات التي تتحكم في الطعام وجدول المواعيد اليومي وما إلى ذلك.
لكن بالنسبة للكثيرين من البشر الآن، أخذ الفيروس التاجي دورا أساسيا في حياتهم اليومية ومحفزات عاداتهم، حاليا، تحتاج عقول الناس إلى التفكير في العديد من القرارات أكثر مما اعتادت عليه.
في هذه الأوقات المقلقة وبعدها، فإن الافتقار إلى العادات الطبيعية يمكن أن يجعل البشر يشعرون بمزيد من عدم الاستقرار ويتعبهم عقليا، والاضطراب والتعب ليسا جيدين بالنسبة للمرء عند مراجعة استثماراته.
ويجب أيضا على المستثمر الاحتراس بشدة من السلوك السيئ في مثل هذه الظروف، فحتى لو كان يعتقد أن عادة معينة «هي فقط مؤقتة»، فإنه يقوم بالفعل بتكوين عادات جديدة.
نظام العادات البشرية يبحث باستمرار عن أنماط لأتمتتها، إنه يبحث في كيفية قضاء وقت الشخص وكيفية استجابته للأحداث، وينقب عن قنوات في الأدمغة تجعل هذه السلوكيات أسهل وأكثر عرضة لتكرار حدوثها في المستقبل.
هذا رائع إذا احتاج الشخص إلى تعلم كيفية التنقل مع وجود أطفال في المنزل، أو كيفية عقد مؤتمر عبر الفيديو بشكل فعال، لكنه لا يكون رائعا على الإطلاق عندما يكون مهووسا بسوق هابط أو أحدث اضطرابا للأسهم.
لكن ماذا يحدث عند البدء في تكوين عادات استثمار سيئة تتمثل في التحقق باستمرار من الأخبار وحركات السوق؟ وجد الباحثون أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يحصلون على معلومات حول السوق، زادت هذه المعلومات من تشويه سلوكهم (في هذه الحالة، يصبحون أكثر نفورا من المخاطر).
التعاطي مع التغيير
ما يجب فعله في هذه الأوقات هو «تحويل التغيير في العادات» إلى فرصة، حيث إن معظم سلوك البشر في الإنفاق، معتاد، لا يفكرون عموما في الأشياء التي يشترونها بانتظام، ويمكن أن يمثل ذلك مشكلة إذا أرادوا تخصيص المزيد من الأموال للمستقبل، حيث يواجهون نقصا في السيولة، وبالتالي يمكن للعادات المالية أن تهزم الأهداف المالية.
ونظرا لأن هذه العادات الشرائية من المحتمل أن تتعطل في الوقت الحالي، فلدى الشخص فرصة لإعادة النظر فيما ينفق أمواله عليه، ومقدار التوفير، وما يريد تحقيقه على المدى الطويل، من المفارقات، أنه خلال أوقات الاضطراب، تكون هناك فرصة رائعة للتخطيط للحياة الطبيعية في المستقبل.
ويقدر الباحثون أن هناك نافذة زمنية بعد فترات الاضطراب الكبير التي تبدأ فيها أنماط البشر الجديدة في التلاشي، وهذا مجال بحث نشط، لكن التقدير هو أنهم معرضون بشكل خاص لتكوين عادات جديدة خلال الـ 90 يوما الأولى.