ما أعظم أيام الله المعلومات وما أطيبها من نفحات تهب نسائمها على القلوب التي تجدب في معارك الحياة اليومية فتمطر عليها سحائب الرحمات الربانية في نفس الموعد من كل عام فتعود الأرواح مروجا خضراء بتجديد العهد مع الله والتوبة من الذنوب والمعاصي في حياة قصيرة.
لا تستحق هذا العناء الفاني، العشر الأوائل من ذي الحجة هي أعظم أيام العام، وهي فرصة لمراجعة النفس ومحاسبتها على التقصير فيما مضى، وهي منحة ربانية لأصحاب النوايا الطيبة والفطرة السليمة ليعودوا من سبيل الهلاك إلى جادة الصواب والاستقامة قبل فوات الأوان!
في فضل هذه الأيام، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام.. يعني أيام العشر، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
في هذا الحديث الشريف يخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الثواب مضاعف والتوبة مقبولة والدرجات ترتقي بالتائبين الصادقين وفرص الإصلاح قائمة، وترك ما يفسد حياة الأفراد والمجتمعات هو الأوجب والأقوم والمنجى من المهالك في الدنيا والآخرة، العمل الصالح ليس قاصرا على العبادات فقط ولكن جوهر العمل الصالح هو إصلاح ذات البين، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى.. قال إصلاح ذات البين.
وفساد ذات البين هي الحالقة»، وهذا الحديث الشريف يؤكد حقيقة مهمة يغفل عنها الكثير من الناس وهي أن أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عز وجل هو إصلاح النفس وإصلاح المجتمع وتربية الأبناء على الإصلاح والصدق الذي يقوي روابط المجتمعات، وأن فساد النفس لا يصلحها صلاة أو صيام أو صدقة! وخاصة أن هذه الأيام يشهد المجتمع الكويتي تزايد ظاهرة العنف وارتكاب الجرائم بسبب الإدمان والرعونة وغياب الرقابة المجتمعية والأسرية على شبابنا، ما يهدد أمن وسلامة المجتمع فضلا عن نشر الإشاعات التي تؤدي إلى بلبلة الرأي العام والفوضى، والكل يتحدث ولا مستمع!
هذه الأيام العظيمة المباركة هي غنيمة لكل عاقل وحجة على كل غافل، وفرصة لكل ظالم لنفسه ولغيره بأن يرد الظلم عن نفسه وعن غيره، وهي فسحة لكل مظلوم بأن يرفع يديه إلى السماء فتخترق دعوته كل الحجب لكي يقول لها رب العزة سبحانه وتعالى: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين»، في هذه الأيام المباركة يجب علينا أن نتفكر ونعتبر ونتدبر سنن الله في خلقه وأنه الحي القيوم الحكيم الخبير الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزيه الله الجزاء الأوفى، وأن أعظم ما نتقرب به إلى المولى عز وجل هو إصلاح ذات البين والعودة إلى مرضاة الله في القول والعمل، وأن إصلاح المجتمع يبدأ من أن يصطلح كل منا مع الله حتى ننعم جميعا في وطن تظله سحائب الرحمات الربانية في هذه الأيام المباركة العطرة، وأن ننحر شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا قبل أن ننحر الأضحية صبيحة يوم العيد.
وختاما، أتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد، حفظهما الله ورعاهما، وإلى الشعب الكويتي والأمتين العربية والإسلامية بمناسبة العشر الأوائل من ذي الحجة وقرب عيد الأضحى المبارك، أعادهما الله علينا بالخير واليمن والبركات، وأن يتقبل الله منا جميعا ما نجتهد فيه من العمل الصالح إنه قريب مجيب الدعاء.