في إحدى السنوات، قرأت خبرا في إحدى الصحف الخمس التي كانت تصدر في حقبة التسعينيات، وكان الخبر عن تسبب ابن في قتل والده بعد أن دفعه ما نتج عنه سقوط الأب ثم توفي (كما جاء في الصحيفة).
وبعد أن تم تناقل الخبر آن ذاك بشكل واسع، ولكن الصاعقة عندما تبين بعد التحقيق، أن سبب وفاة الأب لم يكن بسبب سقوطه جراء دفع الابن له، بل بسبب سكتة قلبية.
ذلك الابن عاش أزمة عصبية، وانطوى على نفسه في غرفته وهجر أسرته وقاطع أصدقاءه وترك دراسته الجامعية، وبقي في غرفته لأكثر من 20 عاما بسبب الأثر النفسي والعكسي لخبر غير صحيح، الذي أظهره أمام أسرته وأصدقائه وجيرانه وزملائه والمجتمع ككل بأنه قتل والده!
آفة شهوة السبق الصحافي كانت طاغية، فلم يتحر ذلك الصحافي الدقة في مضمون الخبر وكانت نتيجته تدمير حياة إنسان.
تذكرت قصة ذلك الابن حبيس الـ 20 عاما، بعد ظهور نتيجة تقرير الأدلة الجنائية عن وفاة طبيعية لعامل توصيل الطلبات والذي اتهم أحدهم في قتله، ولكن جاءت نتائج التشريح على عكس الأحكام التي أطلقها مستخدمو التواصل الاجتماعي.
فما أثر تداول ذلك الخبر على المتهم وعائلته وأصدقائه وحتى جيرانه؟!
يا قوم.. عشرات الأخبار الأمنية التي تتداول كل يوم دون أن يدرك المجتمع الآثار السلبية لتداولها على الضحايا وذويهم، بخلاف الأحكام الاستباقية.
اليوم لدينا آلاف من نوعية ذلك الصحافي الذي لم يتحرَ الدقة واستعجل نشر الخبر، وأعني بذلك كل من يتناقل تلك الأخبار دون التأكد من مضمونها.
وبالتأكيد سيكون لدينا أيضا آلاف الضحايا لتلك الأخبار غير الصحيحة كما هو حال «حبيس الـ 20 عاما».
يا قوم.. لابد أن نكون أشد حرصا كي لا نندم، ولا نكون المخاطبين في الآية القرآنية (6) الواردة في سورة الحجرات بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
يا قوم.. هناك تحقيقات وتحريات وجمع الأقوال والشهود والمواجهة وتقارير الأدلة الجنائية، وغيرها من الإجراءات التي تسهم في إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة، فلا يجوز إطلاق الأحكام قبل التمعن والتيقن والتأكد كي لا نقع في الظلم.
يا قوم.. اركدوا بارك الله فيكم، ولا ترتكبون جريمة أخلاقية من خلال تداول أخبار ومقاطع الجرائم والأخبار الأمنية، فمن يعاني من آثارها يتألم ولا يتكلم.
فرفقاً بأنفسنا.. منا!
[email protected]