قرر تحالف «أوپيك+» في اجتماعه المنعقد يوم الأحد الماضي زيادة الإنتاج يوميا بشكل تدريجي بمقدار400 ألف برميل يوميا كل شهر، اعتبارا من أغسطس المقبل، مع تمديد اتفاقية تخفيض الإنتاج إلى نهاية عام 2022.
كما وافق وزراء التحالف على رفع خط الأساس الخاص بالإمارات والعراق والكويت، إضافة إلى السعودية وروسيا، بدءا من شهر مايو 2022 بمقدار إجمالي يقدر بـ 1.6 مليون برميل، جاء ذلك خلال الاجتماع الوزاري الـ 19 لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوپيك» وحلفائها فيما يطلق عليه تحالف «أوپيك+»، يوم الأحد، وذلك بعد تأجيل الاجتماع السابق عدة مرات، ثم إلغائه.
العوامل المؤثرة على النفط
أحد العوامل الرئيسية لحركة سعر النفط هو كمية المعروض منه، بالطبع هناك علاقة ارتباطية مباشرة بينهما، لذلك حين قررت «أوپيك+» خفض الإنتاج بعشرة ملايين برميل في الفترة الأولى للجائحة تحسنت الأسعار لتتجاوز 70 دولارا مقابل 30 دولارا وأقل في الربع الأول والثاني من 2020.
اتفاق أو اختلاف أعضاء منظمة أوپيك وتحالف أوپيك+ على الكمية المعروضة أو المنتجة من النفط يؤثر بدوره بشكل رئيسي في أساسيات سعر النفط العالمي، لذلك حين حدث وتم إلغاء الاجتماع السابق لأوپيك+ حدثت تذبذبات في الأسواق نتيجة لذلك.
وتوجد عوامل أخرى مؤثرة على النفط بخلاف اتفاق أو اختلاف أعضاء «أوپيك+»، على رأسها الطلب العالمي على الطاقة، وبالطبع هذا الطلب يعتمد على مدى تعافي الاقتصاد العالمي من آثار الجائحة، وبالتالي هناك رابط قوي بين سعر النفط وكمياته من ناحية وبين نسب التطعيم وانتشاره.
مسئولية «أوپيك+» عالميا
يقع على عاتق مجموعة الدول المنتجة والمصدرة للنفط وبجانب تحالف «أوپيك+» مسؤولية رئيسية في توازن الاقتصاد العالمي، النفط الآخذ في الارتفاع من بداية العام الحالي، نتيجة شراهة الطلب العالمي، يدخل في صناعة معظم السلع وتسعير كل البضائع في العالم عبر استحواذه على نسبة 30% من الاستهلاك العالمي لمصادر الطاقة المختلفة.
وبالتالي أي قفزات غير توازنية في سعر النفط تؤدي إلى قفزات مماثلة في أسعار السلع، مما يدفع بمعدلات التضخم العالمية خارج السيطرة.
مصادر الاستهلاك العالمي
ارتفاع الأسعار يتسبب في ارتفاع حرارة الاقتصاد العالمي، مما يضطر البنوك المركزية وكذلك الحكومات إلى الجنوح بسياساتها النقدية والمالية نحو تبريد هذه الحرارة لكبح العوامل التضخمية، والتي تنعكس بالسلب على استقرار اقتصادات العالم وكذلك على الاستقرار المجتمعي والأمني والسياسي بداخل كل الدول خاصة المستوردة منها للنفط.
الحفاظ على السعر التوازني للنفط بما يفيد الدول المصدرة وكذلك لا يحدث ضررا بالغا للدول المستوردة يعني أن الدور العالمي لتحالف «أوپيك+» حيوي في استقرار المجتمعات والاقتصادات حول العالم.
ولعل لهذا السبب أكد وزير الطاقة السعودي سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أكثر من مرة، استيعاب «أوپيك» لمسؤوليتها العالمية وأن تماسك «أوپيك» وكذلك «أوپيك+» فائدة للجميع.
وقال في المؤتمر الصحافي عقب اجتماع يوم الأحد الماضي: «تحالف»أوپيك+«يعمل بشكل فعال، ليس فقط من أجل مصلحة الدول الأعضاء، ولكن أيضا من أجل جميع المنتجين والمستهلكين الآخرين والصناعة بأكملها».
فيما قال وزير الطاقة الإماراتي «سهيل المزروعي»: إن «الإمارات ستبقى عضوا ملتزما في تحالف أوپيك.. وأشكر وزير الطاقة السعودي ونائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك».
وأكد الوزير الإماراتي التزام بلاده بالعمل داخل تحالف «أوپيك+»، وبذل قصارى جهدها لتحقيق توازن السوق، ومساعدة الجميع خلال الفترة المقبلة.
وبالتزامن مع ارتفاع النفط الذي بدأ قبل 6 أشهر، كان هناك ارتفاع مماثل في معظم المواد الخام والسلع الأساسية والوسيطة التي تدخل في تسعير كل المنتجات والبضائع حول العالم، مما قفز بمستويات التضخم لأرقام كبيرة.
حركة المواد الخام
بالتزامن مع صعود النفط كان هناك صعود متزامن في باقي أسعار السلع الأولية مثل الفحم وخام الحديد والنحاس والغاز في الشهور الأخيرة بفضل رفع الإغلاق الاقتصادي في العديد من دول العالم، ما تسبب في ارتفاع مفاجئ وطلب مكبوت بمقدار كبير غير متوازن مع ارتفاعات العرض والإنتاج ما نتج عنه تضخم للأسعار والتكاليف.
مؤشر بلومبيرغ للسلع الذي يقيس ويرصد أسعار 23 سلعة أساسية ومادة خام، منها نفط غرب تكساس والغاز الطبيعي وخام برنت والحبوب وفول الصويا والقمح وكذلك الألمنيوم والزنك والسكر وغيرها، كان قد وصل في الأول من يوليو الجاري إلى أعلى مستوياته منذ أبريل 2020 عند 94.61 نقطة.
إذا موجز ما حدث هو أن تحالف «أوپيك+» يرسل رسالة للاقتصاد العالمي تؤكد تماسك التحالف، وهو التماسك المفيد للاقتصاد العالمي، لأنه يدعم تحقيق السعر التوازني لجميع الأطراف.
إضافة إلى تغيير خط الأساس والذي بدوره يدعم تخفيف تخفيضات الإنتاج التي بدأت في الفترة الأولية للجائحة، مما يساهم في كبح زيادات الأسعار على الأجل المتوسط والطويل ويساهم في السيطرة على معدلات التضخم.
لكن من ناحية أخرى، يوجد طلب كبير مكبوت يحتاج أن يتغذى على طاقة هائلة، نتيجة إعادة فتح معظم الاقتصادات الكبرى حول العالم بالتزامن مع ارتفاع ملحوظ في مستويات التطعيم وإتاحة اللقاح ما يعزز سياسة رفع القيود على الحركة والنقل والنشاط الاقتصادي الكلي أكثر وأكثر.
وهنا من المتوقع أن يظهر توازن في أسعار النفط بين العوامل الهبوطية وهى رفع الإنتاجية وتخفيف خفض الإنتاج النفطي من ناحية، ومن ناحية أخرى عوامل صعودية وهى الطلب الانفجاري المكبوت في الاقتصاد العالمي وبخاصة الدول المستوردة للنفط.