أصبح التحدث في الأمور الطبية والعلمية والتصدي لكل ما يخص جائحة كورونا سلماً للوصول وميدانا للشهرة وساحة لتصفية الحسابات، فالكثير تجده مستعدا للتنظير والتوجيه وإعطاء المعلومات بتسرع واستعجال، لا يقول لا أعلم أو يحيلك لمن هو متخصص وثقة ويعلم.
ومع توافر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الكثير لا يراعي ما يقول ولا يتحرى المعلومة من المختصين، وأسهل ما عليه أن يكتب أو يقول ما يعتقد، وما يقرأ من دون أي يدقق.
الخطورة الأكبر هو من يستغل حرف الدال قبل اسمه ليوهم العامة بأنه مختص ويتكلم عن علم. قد لا يكون قصده ذلك، ولكن نتيجة كلامه تؤدي إلى ذلك.
أنا هنا لست ضد زملائي الأطباء وغيرهم، من يقومون بالتوعية أو نقل معلومة من المختصين أو المؤسسات الرسمية أو الجهات الموثقة، بل جزاهم الله خيرا على ذلك.
أنا ضد من يعتمد على قراءاته ومعلوماته وهو من غير المختصين ليبث آراءه للعامة ويحاول أن يتصدى للمخالفين، ويجادل المختصين، ويشكك المتابعين.
أبرز الأطباء الذين هم في المشهد الإعلامي في هذه الأزمة هم من غير المختصين.
فليس الجراح ولا الصيدلاني ولا طبيب الأسنان ولا طبيب الأطفال أو الباطنية هو المرجع، بل أذهب إلى أبعد من ذلك وحتى الطبيب المتخصص بالمناعة، أو العناية المركزة، أو الصحة العامة، أو علم الأوبئة، أو الصحة الوقائية، أو علم الفيروسات وغيرهم ممن لهم دور في هذه الجائحة هم المرجع.
نعم كل مما سبق يستطيع أن يتكلم في مجاله بإسهاب وتفصيل ويكون له رأي معتبر في المجالات الأخرى.
أما أن يقول الجراح على سبيل المثال أنا قد درست علم الأوبئة أو الصحة العامة أو المناعة وكانت ضمن دراستي العلمية مما يخولني أن أتصدى وأكون مرجعا لذلك، فالرد عليه اذن كذلك طبيب العائلة أو طبيب الصحة العامة يقول أنا أفضل من يتكلم عن العمليات الجراحية لأنها كانت ضمن دراستي العلمية والعملية.
إذن، من المرجع في زمن كورونا؟
بلا شك ليس ما يصلك في الوتساب أو من المشاهير في تويتر، أو الأخبار الصحافية، أو الإشاعات الملفقة، أو الأشخاص غير المختصين الذين يتكلمون من غير علم أو أسانيد هم مرجع لأي معلومة حتى تتم التأكد من صحتها.
لذلك النهج متعدد التخصصات في إدارة الأزمة هو المفتاح. الفريق المتعدد التخصصات يعني مجموعة من المهنيين المعنيين من أكثر من تخصص، يتخذون معا قرارات بشأن الأحداث مع الوضع بعين الاعتبار جميع الجوانب المتعلقة بالحدث الذي تتم دراسته.
إذا كان هناك شيء واحد زاد إدراك المتخصصين في الرعاية الصحية له خلال جائحة كورونا، فهو أننا بحاجة إلى أعضاء فريق من المتخصصين في كثير من القضايا المطروحة، وعلينا العمل معا لتقديم أفضل نتيجة ممكنة لمرضانا وللمجتمع بشكل عام.
فعلى سبيل المثال برزت أهمية التخصصات غير الأكلينيكية من تخصص الصحة العامة والصحة الوقائية والإدارة الصحية وغيرها في هذه الأزمة، بل قد تكون سحبت البساط من بعض التخصصات.
يجب ألا تكون العلاقة بين التخصصات المختلفة تنافسية، بل تكاملية. غالبا لا يتوافر هذا الأمر من وجود متخصصين في المجالات المختلفة إلا للمؤسسات والدول التي تكون عادة مرجعا للشعوب. لا يشترط من ينقل المعلومة والرأي أن يكون من المختصين، ولكن يفضل ذلك.
الأهم أن تكون المعلومة صدرت بطريقة علمية ومن مجموعة مختصة ومن جهات رسمية وموثوقة، وتراجع هذه البيانات والمعلومات بشكل مستمر وتحدث البيانات على ضوء ذلك.
انحدار الحوار في ظل أزمة كورونا بين العامة والمختصين ينم على ما وصل له حال هذه الأمة.
فالمراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغائن، فالمؤمن يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله أيضا، فكما قال الأوزاعي (إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل).
في هذه الأزمة هناك الكثير من فقط ينظر.. والقليل من يعمل ويبذل.. والكثير من بالخصومة يفجر.. والقليل من لغيره يكون منصفا ويعدل.. والكثير من يقول ويتكلم بما لا يفقه ولا يعلم.. والقليل من يجتهد بالبحث والاطلاع قبل أن يتكلم.. والكثير فقط للجهود المبذولة من غيره ينتقد ويعمم.
نعم، نحن لسنا فقط بزمن جائحة كورنا، بل بزمن جائحة الفساد، جائحة السرقة، جائحة التوهان، جائحة غياب الثقة، جائحة تدني الحوار، جائحة سوء الإدارة، جائحة حب الشهرة، جائحة القيل والقال، جائحة الكذب والنفاق، جائحة الانتصار للنفس، جائحة انحطاط الأخلاق من البعض، جائحة عدم تحري الحلال، جائحة المعلومات الخاطئة.