أصبحت الاستدامة المالية غاية منشودة للدولة، لكن بات من المؤكد أن هناك مشكلة عدم وجود فهم حقيقي لموضوع أهمية الاستدامة المالية، وذلك نتيجة لعدم وجود برنامج لتوعية الرأي العام بأن الاستمرار في إدارة المالية العامة للدولة على هذا النحو لن يحقق الرخاء المنشود للأجيال القادمة إن لم يكن حتى للأجيال الحالية.
إن عدم وجود تنوع بالدخل بالميزانية العامة للدولة والاستمرار في الاعتماد على عوائد النفط كمورد وحيد لن يحقق الاستدامة المالية، فكما نعلم أن الميزانية العامة أصبحت رهينة للصدمات المترتبة على تطورات أسواق النفط العالمية، ما بين الوفر والعجز.
كما أن الاستمرار في منهجية الإنفاق الحالية، والتي هي أيضا رهينة للقرارات الشعبوية، بلا شك سوف تقضي على دولة الرفاه عاجلا أم أجلا، ما لم نرجح قراراتنا الحكيمة للمحافظة على رفاهية المواطن بمفهومه الصحيح.
ولتحقيق الرفاهية لابد من وجود استدامة مالية، والاستدامة لا تتحقق إلا من خلال موارد بطبيعتها مستدامة، وعوائد النفط بكل تأكيد ليست من تلك الموارد التي تتسم بالاستدامة فهي بطبيعتها ناضبة.
لذلك يأتي دور النظام الضريبي ليحقق تلك الاستدامة في المالية العامة للدولة، هذا على الرغم من التخوفات التي تثار بشأن مدى مصداقية وموضوعية تحقيق النظام الضريبي للاستدامة المالية، وقد ألتمس العذر لتلك التخوفات لأنها مستحقة في ظل عدم وجود إدارة مالية تتسم بالحصافة.
ومؤخرا رفضت اللجنة المالية بمجلس الأمة، ما جاء في الخطة الإنمائية للدولة بشأن تطبيق نظام ضرائب على السلع الانتقائية والقيمة المضافة، كما رفضت تطبيق الرسوم مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، إلا أن في رأيي إن مثل موضوع فرض الضرائب والرسوم يجب أن يبحث بشكل موضوعي ومدروس، نعم الموافقة المطلقة غير مقبولة، إلا أن رفض بحث ودراسة الموضوع من حيث المبدأ أيضا غير حصيف.
فالدولة تحتاج إلى موارد مالية لتحقيق نقطة التعادل في الميزانية العامة، ويكمن التحدي لها في الاختيار بعناية نوع الضرائب والرسوم، ونوع النظام الضريبي الذي يشجع المواطنين على تقبله وعدم رفضه، فعلى سبيل المثال الاشتراكات في صناديق التأمينات الاجتماعية التي يدفعها المواطنون المنخرطون في سوق العمل، في رأيي تعتبر نوعا من أنواع الضرائب، فلا أتصور يوجد مواطن واحد يرفض مثل تلك الضريبة، فالصناديق التقاعدية حققت الاستقرار الاجتماعي للأسرة الكويتية، فكيف نتصور حال المواطنين بدون هذا النوع من الضريبة مهما اختلفت تسميتها؟
(يتبع)