تطالعنا الثورة التكنولوجية المتجددة بأحدث إصداراتها مع إشراقة كل صباح، وتعد وسائل التواصل الاجتماعي رأس الحربة، والسلاح الأمضى والأكثر تأثيرا عما سواه.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، هناك أكثر من 4.14 مليارات مستخدم لوسائل التواصل من إجمالي 7.81 مليارات هم إجمالي عدد سكان العالم، أي ما يزيد على 53% من إجمالي عدد السكان، والعدد إلى ازدياد مضطرد، وكما تتوقع المؤسسة الألمانية لسكان العالم أن يبلغ عدد سكان المعمورة 8 مليارات نسمة بحلول عام 2023، فإن عمالقة التكنولوجيا يتوقعون بدورهم أن ينضم مليار إنسان آخر إلى سابقيهم، ضمن خططهم المستقبلية عبر الوصول إلى الدول الفقيرة والشعوب التي لم تصلها تقنية «الإنترنت»، وبوجود ثلاثية التواصل المتمثلة في الاتصال، والإعلام، والتسويق، وعبر تبادل الصور، ومقاطع الفيديو والمحادثات المباشرة، فإن «المليار الجديد» هدف ليس ببعيد.
ومما لا شك فيه أن الوباء العالمي ساهم وبشكل كبير في زيادة الإقبال على الشبكة العنكبوتية، وقد شهدنا مجبرين، وساهمنا بلا أي خيارات تذكر في وضع أبنائنا في عهدته، عبر تطبيقي «Teams» و«Zoom» في المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء، فيما دخل الكبار بملء إرادتهم إلى «غرف» التطبيق الصوتي المباشر «كلوب هاوس»، الذي انتشر كالنار في الهشيم، مستغلا الوضع الاستثنائي والعزلة التي فرضها «كوفيد» على البشرية، ولم يستمر تفرد «كلوب هاوس» طويلا، حيث أطلق مالك «تويتر» جاك دورسي ورفاقه المساحات (SPACES) في ديسمبر 2020، ليطالعنا الثنائي الافتراضي (المساحات والغرف) معا بمواضيع متنوعة في مختلف المجالات، متخصصة نوعية ومفيدة في عدد قليل منها، وأخرى اجتماعية يغلب عليها الطابع العربي في النقاش والطرح، لهدر الوقت وإبطاء الهمة، وثالثة جاءت بصبغة غربية حداثية زاهية في مظهرها الخارجي، بعناوين براقة تلامس «وتراً موجعاً» للإنسان العربي المثقل بالمتاعب بشتى أنواعها، فهي تنطلق بفكرة براقة جاذبة، وبلسان عربي عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والمساواة والتكامل، وهذا في جله محل تأييد وموافقة، وبمرور الوقت يبدأ الترويج لفكرة شاذة، وسلوك مستهجن حتى في أكثر البلدان انفتاحاً، كونه يخالف الفطرة السوية لبني البشر.. فجأة: «أنا ملحد، ممكن تسمعوني»، فيأتيه الرد سريعا: «تفضل نسمعك!»، وفي غمرة الصعقة الأولى، وإذا بصوت نسائي هادئ: «لا أعتقد أن الدين أنصف المرأة»!
ليس بالضرورة التفاعل مع كل مخرجات الثورة التكنولوجية حتى يعتقد أحدنا أنه مواكب للعولمة، والانغلاق على الذات احتقار لنعمة العقل، وضعف حجة أيضا، وبين الانفتاح الأعمى والانعزال المظلم، تبقى المعرفة شعلة منيرة لا تنطفئ.
[email protected]