الوفاء خلق عظيم لا يتصف به إلا العظيم وكذلك الغدر صفة سيئة لا يتصف بها إلا من يشبهها قولا وفعلا، فالوفاء وليد الأمانة وعنوان الصدق، ودليل الشجاعة والصبر وقوة الاحتمال، ولقد أثنى الله تعالى على رسله وأنبيائه ووصفهم بالوفاء وليس بعد هذا شيء، لكن الوفاء اليوم أصبح أشبه ما يكون بالعملة النادرة، علما بأنه من أجمل الصفات التي يتحلى بها الإنسان، وهو من الأخلاق الحميدة، فأين نحن من قول الله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) «34 الإسراء».
والحقيقة أن الوفاء كان وأصبح في خبر كان، كنا نسمع كثيرا عن الأخلاء الأوفياء إلا أن هذا السماع انقطع إلا من قليل القليل، أصيب الوفاء بمقتل هذه الأيام وولت أيامه وأدبرت، لأسباب كثيرة من أهمها أن طبائع الناس تغيرت، لقد تغيرت تغيرا كبيرا عن ذي قبل، وأصبحت المادة الهم الأكبر، فكل يحري وراء المادة ولا شيء غير المادة، وعلى العموم فالوفاء هبة من رب العالمين يعطيها من يشاء ويمنعها ممن يشاء ولله في خلقه شؤون، ولله در من أعطى الوفاء لأنه يتبعه كثير من الصفات الحميدة أهمها الصدق، ومن لا وفاء عنده لا ذمة له وليس أهلا للثقة، وقد أحسن الإمام الشافعي رضي الله عنه حينما ذكر أن الوفاء قليل فقال:
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد
عسى نكبات الدهر عنك تزول
يعز غني النفس إن قل ماله
ويغنى غني المال وهو ذليل
فما أكثر الإخوان حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل
وعلى الضد من الوفاء يأتي الغدر، وهو من أسوأ الأخلاق، وأتذكر تماما عندما اجتاحت القوات العراقية كويتنا الغالية، كنا نظن أن أصحابنا كثر ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك وكدنا نكون أثرا بعد عين لولا لطف الله تعالى ورعايته، وقد وفى لنا الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك رحمه الله ووقف إلى جانب الكويت قلبا وقالبا وكذلك الرئيس السوري السابق حافظ الأسد رحمه الله، وقد ضربا أروع الأمثلة في الوفاء وحفظ العهد، خصوصا الوقفة المشهورة للرئيس مبارك تلك الوقفة التي قصمت ظهر الغازي الذي لم يراع فينا إلّا ولا ذمة، وكانت العرب تقول: المستحيلات ثلاث الغول والعنقاء والخل الوفي، ومن وجهة نظري فإن أسوأ أنواع عدم الوفاء نكران جميل وطنك عليك، فما بعد هذه الصفة السيئة شيء، وقد قيل في الوفاء:
ذهب الوفاء ذهاب امس الذاهب
فالناس بين مخاتل وموارب
يفشون بينهم المودة والصفا
وقلوبهم محشوة بعقارب
هذا، ودمتم سالمين.