كنت عائدا من مكان بعيد، ومعي ولدي أوس، وكنا في طريقنا الى المنزل. الطريق طويل وقد قطعناه بالحديث المتنوع.
بدأ أوس بذلك فقال:
لقد لاحظت من اطلاعي الكثير عبر الانترنت، وعبر القراءات في الكتب أن (الايجابية) هي أهم ما ينبغي على المرء أن يتصف به من الصفات. وأولى ما يلتزم به طوال حياته، لأن السلبية مضرة، بل إنها لتؤدي الى الإحباط وسوء تقدير الأمور مما يؤثر على مجرى الحياة.
ثم أضاف:
في أميركا اهتمام كبير بهذا الأمر منذ زمن، ولعلماء هذه البلاد بحوث كثيرة حوله، وكتب تتحدث عنه بإسهاب.
وهنا تدخلت قائلا:
نعم، ومصداقا لقولك فإنني أذكر كتابا اشتريته ثم قرأته في بداية حياتي، وكان معروضا في مكتبة الطلبة التي يملكها المرحوم عبدالرحمن الخرجي، ويجلب إليها كل مفيد.
هذا الكتاب - يا أوس - هو: «دع القلق وابدأ الحياة»، وقد صدرت طبعته العربية عام 1955م وقرأته في ذلك الوقت واستفدت منه.
رد عليَّ قائلا: نعم هذا من تأليف ديل كارنيجي، وهو مشهور في أبحاثه المتعلقة بالإيجابية وضرورتها، وقد جاراه عدد آخر من الباحثين.
وعند هذا الحد، وصلنا الى المنزل، فما كان مني إلا أن أبحث عن كتاب كارنيجي لكي أعيد النظر فيه:
والحق أن هذا الكتاب عجيب الشأن لشدة إقبال القراء عليه، ففي اللغة العربية - مثلا - قرأت نسخة منه مطبوعة في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وفي مقدمتها ما يشير الى أنها كانت الطابعة السابعة العربية لهذا الكتاب.
إنه كتاب: «دع القلق وابدأ الحياة»، وقد ترجمه الى اللغة العربية الأستاذ عبدالمنعم محمد الزيادي، ونشرته مكتبة الخانجي بمصر، وهي من أشهر وأقدم دور النشر هناك.
بدأ ديل كارنيجي حياته الدراسية حين التحق بمدرسة كان يأتي إليها من بيئة فقيرة، فلا يجد في ذلك المكان من يهتم به، بل على العكس من ذلك فإن ما يجده من ازدراء كاف لدفع مثله الى الانطواء على نفسه، ولذا فقد أحس بالخجل من وضعه، وهذا قد أثر فيه كثيرا.
ولكنه جاهد في سبيل إزالة الخجل من دربه، وكان ذلك حين اهتم بإجادة الإلقاء حتى لقد اتيحت له فرص المشاركة في ندوة بالمدرسة فأجاد فيها كثيرا، وغيرت نظرة زملائه إليه.
مضى كارنيجي في دروب الحياة محاولا بناء شخصيته التي برزت فيما بعد بسبب إصراره، واستغل مقدرته الخطابية فأنشأ في مدينة نيويورك معهدا أطلق عليه اسم «معهد كارنيجي للخطابة المؤثرة، والعلاقات الإنسانية».
ومع ذلك، فإنه استمر في اكتساب المهارات التي تعلمها، والتي اكتسبها بفضل ذكائه الوقاد، وتجاربه الكثيرة، وهذا الكتاب يدل على ذلك دلالة واضحة.
يقول المترجم عن حال كارنيجي في ذلك الوقت الذي طبعت فيه الطبعة العربية الأولى للكتاب: «وديل كارنيجي، بعد هذا في الستين من عمره، لطيف الهيئة، محكم الهندام، أشهب الشعر، خفيف الروح، محب للدعابة، قوامُهُ بين الطول والقصر، والنحافة والبدانة، جم التواضع، أبغض الأشياء إليه أن يحاط بمظاهر الحفاوة والتكريم، وهوايته المفضلة هي العزف على الأكورديون في أوقات فراغه، وهو برغم ثرائه، يعيش وزوجته في بيت متواضع في فورست هيلز بنيويورك».
ومن الواضح أن كتاب كارنيجي هذا يعالج مشكلة القلق الذي يحس به بعض الناس، وهو أكثر الإحساسات ضررا، وسيطرة على النفوس، وتأثيرا على مجرى الحياة للفرد ولمجتمعه.
وقد باشر حديثه عن القلق بتقديم وصفة سحرية - كما سمّاها - لتبديد القلق، مبينا ما يحدث للمرء بسبب ذلك، ثم أكد أن تدقيق النظر في سبب القلق يؤدي الى الوصول الى تبديده، مع وجود العزم لدى المرء على أن يحطم عادة القلق في نفسه قبل أن تحطمه، وبين الطرق التي يجب اتخاذها ضد القلق، مع بيان القاعدة الذهبية لقهره.
يؤدي القلق الى الإعياء، وفقد الحيوية، وقد قدم في الفصل السابع من الكتاب شيئا من الوصايا بهذا الشأن.
وفي سبيل الحصول على الحياة الهانئة ينبغي أن يحرص الانسان على إبعاد الشكوك والأوهام، ويتفرغ لبناء حياته، حتى يحصل - إن أراد - على النتيجة التي تلائمه.
ويرى أن سبعين بالمائة من أسباب القلق مالية، وفي هذا الفصل - وهو السابع - حل لهذه المشكلة.
ثم يقدم كارنيجي في الفصل الأخير - وهو العاشر - نماذج لرجال قهروا القلق، فتفوقوا، وعاشوا حياة سعيدة.
وممن يذكر من بعد كارنيجي في هذا المجال الذي أشرنا اليه كاتب ومحاضر أميركي هو ستيفن كوفي، وهو أكاديمي مشهور، حاز شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة يوتاه، والماجستير في التخصص نفسه من جامعة هارفارد، والدكتوراه في التعليم الديني من جامعة بيرجهام بانج.
وهو معروف على نطاق واسع في أميركا وغيرها، يُدعى الى أماكن كثيرة لإلقاء محاضرات في فنون الادارة والقيادة، وله مؤلفات منها كتابه: «العادات السبع» الذي يُبين فيه أسلوب الانسان في طريقه الى الافضل إن أراد ذلك، وكان أول ما بدأ به قوله: «املك زمام المبادرة، وكن مبادرا».
أما العادات السبع التي ذكرها في كتابه المشار اليه فهي:
1 - ايجاد مساحة في التفكير الانساني وسلوكه لاتخاذ القرار الصحيح. وكل البشر مسؤولون عن حياتهم، وسلوكهم ناتج عن قراراتهم، وليس عن ظروفهم.
2 - ابدأ تفكيرك بالغاية التي تريد أن تصل إليها في ذهنك، قبل المباشرة بالعمل.
3 - ابدأ بالأهم قبل المهم.
4 - لابد من مراقبة المكسب والخسارة نتيجة للأعمال أو التطلعات.
5 - لابد من سعي المرء للفهم قبل كل شيء، فإذا امتلأ فهما، فعليه السعي لكي يفهمه الآخرون.
6 - ضرورة التكاتف، والتعاون الخلاق في اختبار كل العادات السابقة، وهذا هو أساس القيادة المرتكزة على المبادئ التي تبلور أعظم القوى داخل المجتمع، فتحوله الى مجتمع متكافل ومترابط.
7 - ويصل كوفي في النهاية الى العادة السابعة التي يبدو أنه أخر ذكرها من أجل أهمية ما تدل عليه من أمور لها دور كبير في إفادة المجتمع، وهي عادة متشعبة، ولذا فإن من الأفضل أن نقدم هنا نص ما ذكره بشأنها:
إنها التجديد ويكون من خلال المحافظة على العناصر الأربعة الأهم التي تمتلكها - الجسد والروح والعقل والعاطفة - والتي بتجديدها تعزز شخصيتك وذاتك.
ويتم تجديد هذه الأصول الأربعة من خلال:
٭ البعد البدني
وتجدده من خلال ممارسات النشاطات الرياضية بشكل منتظم الى جانب تناول الغذاء الصحي والتحكم بالضغوط.
٭ البعد العقلي
هو البعد الذي يمكن تطويره من خلال زيادة قراءاتك ومطالعتك. والذي بدوره يساعدك على وضع الخطط والبرامج لتحقيق أهدافك.
٭ البعد الروحي
عليك بتغذية الروح من خلال الاستماع للموسيقى أو القراءة المتعمقة بالنصوص الدينية التي تساعد بالتقرب من الله أو من خلال ممارسة اليوغا والتأمل.
ويتحقق ذلك من خلال انفتاحك على معاناة الآخرين، ومحاولة مساعدتهم قدر المستطاع، أو ضمن الإمكانات المتاحة، بدون انتظار أي ثناء، أو مكافأة وهي أفضل وسيلة للشعور بالسعادة.
***
وبعد يومين مرا على ذلك الحديث الذي ورد في بداية هذا المقال، قدم إليَّ ولدي أوس ثلاث ورقات مهمة ذات صلة بموضوع الايجابية، وقد استلها من ذخائر الانترنت، وقد وجدت فيها ما يلي:
1 - اختصرت مؤسسة مايو كلينك مسألة الايجابية بأن قالت: إنها التفكير الايجابي وأي فرد يريد أن يفكر إيجابيا فإن عليه عدم الحديث السلبي مع النفس بما يُخلصه من التوتر.
ثم تضيف: «إن التفكير الايجابي مهم في التعامل مع الضغوط النفسية، كما أنه يعين المرء على تحسين صحته، لذا فإنه ينبغي أن يُدرب نفسه على عدم النظر الى أمور حياته بيأس أو ضيق، بل على العكس من ذلك فإنه لابد أن ينظر الى الحياة وكأنها تتميز بصورة مشرقة على الدوام».
فما الذي يفعله التفكير الايجابي؟
إنه مفيد من الناحية الصحية في إطالة أمد التمتع بالحياة، والحد من الاكتئاب، وخفض التوتر، والحصول على صحة أفضل، جسمانيا ونفسيا، مع زيادة القدرة على التكيف عند الاوقات الصعبة، والأحداث القاسية، اضافة الى تقليل مخاطر الوفاة بسبب المرض القلبي الوعائي، لأن المرء حين يفكر في مشكلاته بصورة إيجابية فإنه يصل الى راحة البال، وهدوء النفس، وهذا يؤثر إيجابيا على صحة الجسم وبخاصة القلب».
فهل نستطيع أن نقول: «إن الايجابية هي طرح اليأس جانبا، وعدم النظر الى الدنيا بمنظار أسود كما يقولون، نحن الآن - بعد ما مر من شرح مايو كلينك للمسألة - لا نشك في أن اليأس يهدم النفس الانسانية، وبناء على ذلك فإنه يؤثر على جسم الفرد فيحيله الى شخص مرهق متعب لا يستطيع القيام بأي عمل من الأعمال التي كان يقوم بها قبل سيطرة اليأس عليه.
ويأتي مثل ذلك الصبر وسعة الصدر، وتعويد النفس على التحمل، وعدم الضيق بشيء فإن بعد كل ضيق فرجا».
ولم يكتف موقع مايو كلينك بذلك، بل سار في طريق إيضاح كل ما يتعلق بالحياة من إيجابية، لأن هذا المركز تبعا للجو العلمي السائد في أميركا، يعلق أهمية كبرى على إيجابية الافراد، ويرى - كما يرى العلماء هناك - ان مراجعة النفس للتأكد من خلوها من الميول السلبية أمر مهم، بل هو واجب المتابعة في كل حين.
وهو - أي مايو كلينك - يحرص على أن يذكر المنافع المرتجاة من التفكير الايجابي، الموصلة الى طرق التعرف على التفكير السليم، ثم يدعو في نقاط محددة الى التركيز على التفكير الايجابي بما في ذلك مخالطة الناس الايجابيين، والحرص على اتباع النمط الصحي في الحياة مع شمول ذلك للنشاط الرياضي المزيل للخمول، وتقليب الامور مع النفس في طريقة عقلانية.
2 - وفي موقع B.B.C الإخباري على الانترنت عرض لموضوع الايجابية بصورة أوسع، مع بداية صادقة، ذلك أن العنوان الرئيسي لما ورد في هذا الموقع يقول:
«التفكير الايجابي قد يكون عقبة أمام تحقيق أهدافك، وأجرى الموقع في بداية الأمر حديثا دلل به على ذلك، وكان حديثه عن شخص بدأ بإنشاء شركة ناجحة ثم تهاوت هذه الشركة فجأة، فتعلم مما حدث له درسا مهما، وهو وجود جانب سلبي للافراط في التفكير الايجابي، وقال الرجل في هذا الشأن: «لا يكفي أن تكون إيجابيا وسعيدا بأنك محظوظ، إذ ينبغي أن يمتزج ذلك بالواقعية».
وهذا يدلنا على ضرورة ألا تبعدنا الايجابية عن الواقع. (هذا الرجل هو: مايكل ستوشولم).
هذا وقد أورد الموقع ذكرا للكتب التي نُشرت في مجال الاستفادة من الايجابية، فذكر أن أول ما نشر هو ما صدر لنابليون هيل في سنة 1936م، بعنوان «فَكّر واغتَنِ».
وهنا يبرز أمرا مهما يرتبط بما نتحدث عنه وهو الصلة بين الايجابية والتفاؤل، وفي هذا الخصوص تبين لأحد العاملين أن التفاؤل مطلوب، وأنه نوع من الايجابية، بشرط ألا يكون مبالغا فيه.
ومن أجل ذلك جاء في الموقع هذا القول: «اذا كان ميلك الطبيعي هو أن تكون إيجابيا في تفكيرك فسيحتاج الأمر الى ممارسة وتدرب لكي يصبح لديك قدر من السلبية يحد من التفاؤل المفرط لديك».
ولقد جرى التأكيد على أن هناك مؤسسات متفرغة للتدريب على هذا الذي ورد في القول السابق.
نعود الآن الى ما كان يجب علينا أن نبدأ به قبل غيره، وهو النظرة الى الايجابية في تراثنا الاسلامي والعربي، ومن أجل ذلك فإن ما سوف يرد هنا خاص بذكرها، وإن لم يرد هذا الذكر بلفظها تماما.
وسوف يكون ذلك كما يلي:
أولا: القرآن الكريم، وفيه كثير مما يؤكد مضار التسرع وعدم الاحتمال، واليأس في حياة الانسان، وقد وردت هذه المعاني في آيات متعددة، وصيغ مختلفة وهذه نماذج لها:
أ - في الآية رقم 37 من سورة الأنبياء يقول الله سبحانه وتعالى: (خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون).
وهذا هو طبع الانسان، وقد رأينا أولئك الذين لم يصدقوا بنبوة رسولنا الكريم وهم يطالبونه بإنزال العذاب عليهم إن كان صادقا، وفي آية لاحقة حذرهم وبين لهم رب العزة أن العقوبة لاحقة بهم، (بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون).
ب - في الآية رقم 54 من سورة الكهف يبين الله سبحانه وتعالى صفة من صفات الإنسان فيقول: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا).
ولفظا العجلة والجدل من الصفات الممجوجة في الإنسان، وهي تضاف الى الصفات الاخرى التي تسبب السلبية المقابلة للايجابية في السلوك.
ج - وفي الآيات رقم 43 و44 و45 من سورة البقرة قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (45)).
وهنا نجد الصبر مقترنا بالصلاة، مع وصفها بأنها كبيرة إلا على الخاشعين الذين يؤدونها في أوقاتها، لأنهم يخشعون لله عز وجل.
والصبر الذي يمكن إضافته الى ما سبق من عدم العجلة، وعدم الجدل له مكانة كبيرة في نص الآية الكريمة الثانية التي ذكرنها آنفا.
د - أما ما يتعلق بالنهي عن اليأس، فقد ورد في الآية رقم 49 من سورة فصلت، ونص الآية: (لا يسأم الانسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط).
وفي هذه الآية أمر الانسان ألا يكون يائسا، وأن يتجه الى ربه سبحانه وتعالى عند كل كربة، فهو كاشف الكربات، ومغيث العباد.
ثانيا: أما الحديث الشريف ففيه ما يتضمن المعاني التي أشرنا اليها أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المسلم، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
وتتنوع صفات الايجابية والسلبية بحسب ما ورد في الكتاب والسُنة على النحو التالي:
- من السلبية سوء الظن بالناس.
- ومن الايجابية النظر الى المستقبل بتفاؤل.
- ومن السلبية انتقاد الناس في أعمالهم دون حق.
ثالثا: وفي الشعر العربي ذكر لهذه المعاني الدالة على الايجابية، وهي المشتملة على الصبر والتفاؤل والجد في العمل، وغير ذلك مما أشرنا اليه فيما سلف.
ومما لابد من ذكره هنا هذه الأبيات التي قالها الشاعر الكبير أبوالطيب المتنبي، وهو يتحدث فيها عن نفسه ضمن مقدمة قصيدة له يمتدح بها شخصا ما:
أُطاعِنُ خَيلاً مِن فَوارِسِها الدَهرُ
وَحيداً وَما قَولي كَذا وَمَعي الصَبرُ
وَأَشجَعُ مِنّي كُلَّ يَومٍ سَلامَتي
وَما ثبَتت إِلّا وَفي نَفسِها أَمرُ
تَمَرَّستُ بِالآفاتِ حَتّى تَرَكتُها
تَقولُ أَماتَ المَوتُ أَم ذُعِرَ الذُعرُ
وَأَقدَمتُ إِقدامَ الأَبيِّ كَأَنَّ لي
سِوى مُهجَتي أَو كانَ لي عِندَها وِترُ
وفي كتاب ديوان الحماسة لأبي تمام أبيات قالها الشاعر يحيى بن زياد، وهي:
ولما رأيت الشيبَ لاح بياضُهُ
بمفرق رأسي قلتُ للشيبِ مَرْحَبَا
ولو خِلْتُ أنّي إن كففت تحيَّتي
تَنكَّبَ عني، رمتُ أن يتنكَّبا
ولكن إذا ما حل كُرهٌ فَتسامَحتْ
به النفس يوما كان للكُره أَذْهَبَا
وقال الشاعر قيس بن الخطيم:
يُريد المرءُ أن يُعطَى مُنَاهُ
ويأبى الله إلا ما يشاءُ
وكُلَّ شديدة نزلت بقوم
سيأتي بعد شدتها رخَاءُ
ولا يُعطى الحريصُ غنى لحرْصٍ
وقد ينمي على الجود الثراءُومن قصيدة كتبتها بعنوان: «دعوة الى العمل» وقد نشرت في جريدة «الأنباء» الغراء، أذكر هذه الأبيات القريبة من المعاني التي وردت في القطع الشعرية التي مرت:
لا تبتئس إن لم تنل أربا
فالصبر يعطيه لمصطبرِ
أو تبتئس فالخير منتظر
ولسوف تجني أطيب الثمرِ
بادر إلى الأعمال تُدركها
وانهض الى ما رمت من وطرِ
بالجِد يأتي ما تؤَمِلُهُ
ما فاز من يأوي إلى السُّرُرِ
خل التفاؤل دائما هدفا
ينجيك من أفكارك الأُخرِ
واذكر إله الكون إن مُلأتْ
دنياك من هم ومن كَدَرِ
فَهْو المفَرِّجُ كلَّ ضائقة
وهو الغفور لكل ذي وزرِ
هذه المختارات من الشعر المقارب للمعاني التي أردنا الحديث عنها فيما يتعلق بالايجابية والمعاني الناتجة عن اسمها، وهي معان لم تذكر فيها الايجابية أيضا، ولكن المقصود بها واضح في كل مقطوعة من المقطوعات المختارة.
علما بأن لفظ الايجابية غير وارد بمعناه السابق شرحه في مجمل ما اطلعت عليه من ألفاظ اللغة العربية، وبخاصة في أهم مرجعين لهذا الغرض، هما: لسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي.
ولعل فيما قدمناه الكفاية، والله وحده الموفق إلى الصواب.