قد تكون اليابان الحلم الرومانسي لأغلب العرب، فنحن نراها كأنها المثال الحي للتطور والتقدم، وكلما كانت هناك فكرة جديدة ننسبها لها سواء كانت هذه الفكرة حقيقة أم خيالا، وعند مقارنتنا نقارن بها، ونتداول في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فيديوهات لأحدث التكنولوجيا اليابانية، ودائما ما نتحدث عن النتائج التي وصلت إلها دون طرح الأساليب والأدوات التي استندوا إليها للوصول لما وصلوا إليه، وغالبا ما يطرح التاريخ الياباني والتفاعلات التي حصلت فيه بطريقة خاطئة، لدرجة أنك لو طرحت الحقيقة فلن يصدقك أحد، وكأن اليابان حلم لا يريد الكثير أن يتحطم بأذهانهم.
اليابان، كأي مجتمع بشري، تحتوي على السيئ والجيد، الأفكار الإيجابية المعمرة والسلبية المدمرة، لكن تراكم الخبرات الطويلة من الفشل جعلها تعرف كيف تواجه السلبيات الموجودة في مجتمعها وتنتصر عليها، فاليابان بشكلها الحالي اليوم ما هي إلا تراكمات من الفشل وتصحيحه، حتى أصبح للعقل الجمعي طرق وآليات لتصحيح المجتمع، ومازال المجتمع الياباني يعاني من الفشل في بعض الجوانب ومازال مستمرا في التصحيح، أما طرح اليابان كأنها كوكب منعزل أو المدينة الفاضلة كما يسوقها الإعلامي العربي فهو بالطبع ليس من المنطقية بشيء.
تسويق اليابان بعبارة (كوكب اليابان) تسويق يهدم العزيمة في عقول الشباب العربي، فجعلها منعزلة في كوكب آخر، وكأنها رسالة مبطنة للعقل العربي فحواها أنك مهما بذلت من الجهد والعمل لن تصل لها، أما الطرح السليم للفكرة فيكون بطرحها كدولة مثل سائر الدول اجتهدت وطورت من نفسها حتى تصل لما وصلت إليه، وشرح المشاكل والعقبات التي واجهتها في هذا الطريق يكون مفيدا وعمليا، لما يحتويه ذلك من أفكار توصل رسالة (لكل مجتهد نصيب) الى عقول الشباب العربي الذي بدأ يهتم بشكل ملحوظ بثقافة شرق آسيا خصوصا اليابان وكوريا.
اليابان مجرد مثال للآلية التي يعتمدها الإعلام العربي في طرح المواضيع بصيغة تبعث على اليأس في روح المتلقي، والهدف من ذلك غالبا جذب الانتباه للوسيلة الإعلامية والحصول على مشاهدات أكثر، دون الاهتمام للمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق هذه الوسيلة، وأصبحت هذه الطريقة الرخيصة للانتشار الإعلامي، والتي قد أكون لا أبالغ بنعتها بالجريمة الإعلامية الهادمة للعقل الجمعي العربي، هي الأساس المتبع في عالم الإعلام لدينا، لدرجة أن من لا يتبع هذه الطريقة ويتحمل مسؤوليته الأخلاقية يكون أكثر عرضة للخسارة وعدم إكمال الطريق الإعلامي.