كثرة الكلام والدوران في حلقة مفرغة لا تؤدي إلى نتيجة، وربما يكون ضررها أكثر من منفعتها، لذا سيكون حديثي مباشرا آخذا بالاعتبار أدب الحوار، وقد أصبحت عندنا ظاهرة غريبة، وهي فعلا تثير الدهشة، أيها السادة إني والله لأتعجب ممن يتباكى على الوطن وهو يطعنه في خاصرته، مع أن الجميع يعرف أن الوطن خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهو بعد مظلة للجميع، وكلنا مسؤولون عنه صغيرنا وكبيرنا وبلا استثناء، لأنه عزنا ورفعتنا ومكمن قوتنا، والوطنية الصحيحة هي المواطنة الصالحة والعطاء من أجل الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره ومكتسباته، وأن نقيه من الشرور بأنفسنا وأموالنا، وكل خطأ في حقه غير مسموح به لكائن من كان.
من هنا أقول انه لابد من تنمية الحس الوطني عند أبنائنا حتى يكبروا على حبه، وعلى الأجهزة المعنية القيام بهذا الأمر على أكمل وجه لحماية الوطن والمواطن من الفتن والنزاعات والتحزبات التي تضر بالجميع، ومن الآخر فلدينا من الحرية ما يكفينا ويزيد فلا نستخدم الحرية كما نريد، بل نستخدمها كما يجب، ولا نجعلها وسيلة لأهداف تضر مصلحة الوطن، ولا نكون ممن ينطبق عليهم قول المولى عز وجل: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ـ البقرة: 205).
فأمن الوطن مسؤولية الجميع وحب الوطن والمحافظة عليه معروف طريقه، وواضح وضوح الشمس، ونحن بحمد الله نعيش في وطن آمن تجمعنا فيه المحبة والتواد والتراحم، فلا نسعى لتكدير صفوه، وحري بنا أن نقدر هذه النعمة التي نعيشها، وأن نحمد الله عليها لا أن نرفسها، يقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام مقدما الأمن في الوطن على الصحة والبدن: «من أصبح آمن في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
ومن هنا قالت الحكماء: نعمتان خفيتان الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان، ولا يعرف قيمة الوطن إلا المواطن الصالح، المحب له، هرب عبدالرحمن الداخل من مطاردة العباسيين وكوّن دولة قوية عاشت قرابة ثلاثة قرون وأصبح ملك الأندلس وسلطانها بلا منازع، ومع ذلك لم ينس وطنه الشام الذي ولد ونشأ فيه، فرغم بعد المسافة جلب نخلة معه من وطنه وزرعها في قرطبة يتذكر من خلالها وطنه الشام، فكان يتعاهدها ويرعاها حتى أينعت وآن قطافها، فبكى بالقرب منها، وأنشأ يقول:
يا نخل أنت غريبة مثلي
في الغرب نائية عن الأهل
تبكي وهل تبكي مكممة
عجماء لم تجبل على جبل
لو أنها تبكي إذن لبكت
ماء الفرات ومنبت النخل
حفظ الله الكويت وأهلها من كل سوء.