يقول الإمام الشافعي:
قيل لي قد أسى عليك فلان
ومقام الفتى على الذل عار
قلت قد جاءني وأحدث عذرا
دية الذنب عندنا الاعتذار
إنها أبيات من الأبيات الجميلة، والتي دائما ما تطال مسامعنا وباستمرار، أبيات تعكس لنا وبشكل جليّ روعة وذوق ثقافة راقية، ثقافة تعتبر من الثقافات ذات التأثير الإيجابي على مجمل علاقاتنا الاجتماعية، ألا وهي ثقافة الاعتذار وما أدراك ما الاعتذار.
ذلك الذي يعتبر فنا إنسانيا، لكن للأسف هناك الكثير من البشر لا يتقنه ولا يجيد التعبير عنه بالشكل الصحيح، رغم أنه لا يتطلب علما أو ثقافة كبيرين، بل هو شيء من الأدب والبساطة والتواضع، شيء يدل على المروءة والوقار، ولا يدل بتاتا كما يعتقد البعض، على الضعف والذل والانكسار.
أولئك البعض الذين كثيرا ما تجدهم يلفون ويدورون ويكابرون وإن كانوا على خطئهم موقنين، وذلك فقط كي لا يعتذرون! والذين نسوا أيضا أن الاعتذار هو جزء لا يتجزأ من ثقافتنا، حثنا عليه ديننا، كي نترجمه إلى واقع حياتنا.
كما انه يعتبر الحصن الحصين، الذي يزيد من تآلفنا وتماسكنا وقوة واستقرارنا، سواء كان من الجانب النفسي أو الاجتماعي.
فهو منهج الأقوياء، وليس دأب الضعفاء، هو خلق الكرماء والنبلاء، هذا وبخلاف انه يظهر لنا عظمة الأخلاقيات، كونه يكبح جماح النفس الأمّارة بالسوء.
أوليس الدين معاملة؟! لمَ قال سبحانه وتعالى إذن في كتابه الكريم: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبين عداوة كأنه ولي حميم).
فها هو سيدنا يعقوب عليه السلام، حين شعر أبناؤه بأن وجود أخيهم سيدنا يوسف عليه السلام يزاحمهم في حب أبيهم، فكروا بقتله أو على الأقل إبعاده إلى أرض لا يرجع منها أبدا، ليخفى على أبيه رؤياه! إلى أن انتقلوا بعدها من مرحلة التفكير إلى التدبير، للخلاص منه! وبالرغم من هذا كله، وما آل إليه هذا الموقف من أحداث متتالية، محزنة، مأساوية ومؤلمة، بسبب فعلتهم في حق أبيهم وأخيهم، إلا أنهم في النهاية حين طلبوا السماح من أبيهم ليستغفر لهم ما دعا عليهم أبدا، وما عنفهم أو نهرهم، بل كان على العكس تماما، عاملهم بخلق العفو والصفح الجميل، عفو خال من التجريح.
فهو ممارسة إيجابية يحتاجها الجميع دون استثناء، وأهم ما فيه هو عدم التعالي أو التلاعب بالمواقف والكلمات، كما أن للاعتذار أنواعا متعددة من ضمنها: الاعتذار الشكلي أو السطحي والذي غالبا ما يكون غير صادق، اعتذار المجاملة والذي يكون دائما بهدف مجاملة شخص ما لأسباب معينة، اعتذار الجدال وهو الذي لا يخلو أبدا من المجادلة والنقاش الحاد سعيا للتبرير، الاعتذار الحقيقي وهو الاعتذار الواضح الصريح، والذي غالبا ما يكون ناتج عن قناعة تامة لا لبس فيه... إلخ.
فـ «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، فليس من بشر معصوم عن الخطأ بعد الرسل، وإنه لمن المخزي جدا أن البعض يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية، لا تزل ولا تخطئ، وإن أخطأت! تبقى طبقة سامية لا تعتذر وكأنها منزلة من السماء!.
وكما قيل: يبقى الاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتذار عنه فضيلة أخرى، كلاهما فضيلتان تعززان الحفاظ على روابط الألفة والمحبة بين البشر، كما أنهما أيضا من الوسائل التي تمنعنا من فقدان من نحب.