رحلت تلك الرائدة الكويتية المعلمة الخلوق والمنجزة، التي انطلقت من بيت كويتي عريق من حي القبلة في ثلاثينيات القرن الماضي لتكون أول رائدة كويتية في التربية والتعليم بعد بدء دخولها للتعليم النظامي عام 1937 في المدرسة الوسطى للبنات، تلك المرأة الرائدة في مجال التعليم أسست الفكر المنهجي الذي سارت عليه الكويت لعقود في شق مهم من التعليم المرحلي والنظامي في الكويت.
قبل أيام رحلت التربوية الرائدة الكويتية لطيفة البراك عن عمر ناهز 94 عاما ما يزيد على نصفه قضته في الحياة التربوية النظامية لتكون كتابا ينهل منه كل التربويين الجدد منهجا ونظاما وقواعد تربوية للانطلاق بالتعليم الكويتي من جديد والرجوع إلى عهد النهضة الكويتية التي بدأت بالتعليم أولا.
عندما تقرأ حياة الراحلة لطيفة البراك ترى عنوان مسيرتها النجاح والابتكار في منظومة النهضة الكويتية عقل نسوي فذ قادر على إضافة غير المألوف هكذا كان ديدن الرائدات الكويتيات في تلك الحقبة من النهضة فمن بيت سياسي للنائب الذي كان في منصب المشرع الكويتي محمد بن جاسم محمد البراك، رحمه الله، خرجت المعلمة لتقود مسيرة التعليم في الوطن، فهي أول مدرسة كويتية تدرس في رياض الأطفال عام 1957، والثالثة في التعليم.
لا أستطيع أن أمر على سيرة الراحلة مرور الكرام، فرحلة العلم والتعليم مضى عليها أكثر من 60 عاما.. ما بين صعود وانحدار ونتأمل الصعود مرة أخرى كما كنا، فأنت إذا أردت أن تقضي على ثقافة بلد ما ارجع إلى الوراء بالتربية والتعليم.. كانت الرؤية التربوية والتعليمية في الكويت ليست فقط من أجل نقل العلم إنما كانت كل من حملن مشعل التعليم في الكويت من الرائدات حملن القيم الوطنية والأصالة الكويتية من صلب المجتمع على خطى الفكر المنظم والحماس للتعليم والإخلاص في نقل الرسالة التعليمية، فكانت الرائدة لطيفة البراك رحمها الله إحداهن.
وخلال مسيرتها سجلت الراحلة خبرة تربوية وتعليمية عالية الجودة والمضامين فمن المدرسة الوسطى إلى روضة الجابرية لتنتقل إلى العمل بوزارة التربية كمسجلة لشؤون الطلبة لترتقي لمنصب نائبة المديرة في المدرسة الشرقية ومنها لمنصب المديرة، لتزكيها وزارة التربية وتمنحها لقب أول مديرة لمدرسة كويتية للبنات - مدرسة النزهة عام 1943 مستمرة بمنصبها لسبعينيات القرن الماضي، لم تبتعد عن الساحة التعليمية بل كانت مستشارا تربويا وتعليميا لكثير من التربويات الكويتيات في وزارة التربية على حد علمي المتابع.
أما عند الحديث عن الابتكار في منهجية التعليم، فما نفقده اليوم نتحدث عنه في ربط المنهج التعليمي بالمهارة لطلبة رياض الأطفال كانت الراحلة لطيفة البراك أول من أسسته عندما صرحت في لقاء سابق أنها استحدثت لعبة الحيلة مع بدء تعليم البنات في المدارس الحكومية، ولعبة الحيلة لعبة شعبية كويتية مشهورة لعبتها البنات في الكويت والخليج أيضا، اعتمدت المعلمة لطيفة البراك على الحس التعليمي لمنهج الرياضيات لتبقى ضمن المربع المرسوم على الأرض والتركيز للخروج السليم من الزوايا المرسومة على الأرض على حد تفسير إحدى مدرسات الرياضيات الكويتيات لي عن فكرة لعبة الحيلة والرياضيات، هي مهارة تعلم العد الحسابي ومبادئ علم الأشكال الهندسة.
وكرمت الدولة الراحلة، رحمة الله عليها، ببناء مدرسة على أراضيها باسم لطيفة البراك تكريما لها ولخدمتها لقطاع التربية والتعليم الكويتي.
والجدير بالذكر عكست رائدة التربية والتعليم- لمرحلة رياض الأطفال المعلمة لطيفة البراك، رحمها الله، الوجه المشرق للمجتمع الكويتي، حيث الانفتاح الكويتي على تعليم البنات الكويتيات كان بأمر من الوزير الراحل الشيخ عبدالله الجابر الصباح الذي كان عام 1936 أول رئيس لدائرة المعارف وأول وزير للتربية عام 1962، هكذا ارتقت الكويت بالتربية والتعليم عندما كانت الوزارة الأولى قد اعتنت بمفهوم التعليم والتخطيط الاستراتيجي للمنظومة التعليمية بدعم متبادل بين الوزارة والمعلم وفق الأسس المفهومة والمدروسة.
أعزي أسرة فقيدة الوطن، رحمها الله تعالى وأقول تأبينا لها «رحلت الرائدة لطيفة البراك وما رحلت مناقبها السنية».
[email protected]