لم يكن الثاني من أغسطس 1990 وما بعده كسائر الأيام في تاريخ الكويت، القديم منها والحديث، ولن يكون، حتى تلك الأيام المفرحة لم تستطع معها التخفيف من وقعه المهول، فالمأتم ليس كالعرس، والفاجعة ليست خبرا أو حدثا مفرحاً، تلك تقطع القلب، وهذه خبر سعيد عابر.
الأشهر السوداء السبعة التي تلت «الخميس الأسود» رسمت تاريخا مشرفا ذا خصوصية عالية للكويت، وطبعت العديد من أهلها بصفات خاصة، دماء الشهداء والتضحيات اليومية العظيمة، والمواقف الثابتة، لم تكن مصطنعة أو ترفاً، بل جاءت معبرة بصدق عن أسمى معاني العزة والإباء، والتضحية والفداء، لوطن ترسخ في الوجدان معنى، فتسابقت الأرواح والأجساد تفتديه، لتسجل موقفا يبقى جمرة حية في وجدان أهله تتوارثه الأجيال بإجلال كبير جيلا بعد آخر.
٭ فهد الأحمد.. الرجل المؤمن بالقومية العربية، والقائد الرياضي المرموق، رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي ورئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم حينها، لم يحتمل رؤية «وطن السلام» تحت نير الاحتلال في ساعاته الأولى، انطلق مسرعاً من بيته في الجابرية الساعة 6.05 صباح الخميس الكئيب وصولا إلى قصر دسمان في الـ 6.40، وقف مدافعا أمام بوابة القصر، حتى عانق ثرى وطنه مستشهدا برصاصة قناص غادرة.
٭ أسرار القبندي.. أربكت المحتل بكثرة تحركاتها المقاومة، ونوعية أنشطتها الاستثنائية، كتبت التقارير اليومية وأرسلتها إلى الحكومة في المنفى، ونقلت الأموال والسلاح إلى المقاومة في الداخل، وشكلت عنصر ربط لإحدى مجموعات المقاومة، عمّمت سلطات الاحتلال صورتها على نقاط التفتيش، بعد صدور أمر من السلطات العراقية العليا، اعتقلت في نوفمبر 1990، عُذبت بأبشع طرق التعذيب، وأكثرها دموية، وفي 14 يـناير 1991 اغتيل جسدها الطاهر، وألــــقي به أمام بيت أسرتــها في ضاحية عبدالله السالم.
٭ أحمد قبازرد.. دخل الكويت بعد غزوها بـ 7 أيام، نظم مجموعة مكونة من 40 فردا كخلية مقاومة، ترصد وتضرب، نفذ على مدار 26 يوما العديد من العمليات الاستثنائية الجريئة، اعتقل بوشاية في 4 سبتمبر، قضى 12 يوما صامدا في وجه البغاة وطرقهم البشعة في التعذيب، وعندما عجزوا عن الحصول على معلومات منه، قاموا بإعدامه أمام منزله يوم الأحد 19 سبتمبر 1990.
٭ سيد هادي سيد محمد.. قائد مجموعة المسيلة للمقاومة، والمكونة من 31 رجلا، توج أعماله البطولية بمعركة تاريخية في منطقة القرين، رفعوا علم بلادهم الكويت فوق البيت، ليبدأ قتالاً غير متكافئ بين البندقية والمدفعية، استشهد وعدد من رفاقه في 24 يناير 1991، بعدما لجأ الجيش الغاصب إلى ضرب المنزل بقذائف الدبابات.
٭ طارق بورسلي، وخالد الضامر، وسعاد علي.. لم يمنعهم شبابهم، وقلة خبرتهم في الحياة، من التقدم والتضحية، طارق (مواليد 1971) أعدم برصاصة غدر في رأسه خلف مجمع الأوقاف في 25 فبراير 1991، وخالد (مواليد 1972) أعدم رميا بالرصاص مقابل منزله في مشرف في 3 أكتوبر 90، فيما سلمت سعاد الروح إلى بارئها خنقا في 2 فبراير 1991، وهي لم تبلغ بعد العشرين من عمرها.
القوافل الكريمة لشهداء الكويت.. أكبر من أن تحصى في هذه العجالة والمقالة، ولعل قبسات منها كافية لتذكيرنا بما يستحقه الوطن الكويت، وما يجب علينا القيام به تجاهه، ولتمدنا بانتعاشة روحانية تسمو بنا في عالم ملائكي عطر، ورحب، وخالد.. لأرواحكم الطاهرة الرحمة، ولوطنكم الفخر، ولأبنائه الشرف، بتضحياتكم العظيمة.
[email protected]