سألني صديق قديم العِشرة وهو مبتسم لعلمه بكثرة تكرار مثل هذا السؤال عند كثير من الناس: كيف الحال يا صديقي؟ فبادلته الابتسامة بالمثل وأجبته ممتثلا بقول أحمد بن فارس:
وقالوا كيف حالك قلت خير
نقضي حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا
عسى يوما يكون لها انفراج
هذا هو الحال في هذا الزمن يا صديقي، وكما ترى نقضي حاجة وتفوت حاجة، وما أكثر الحاجات التي لم نقضها، حتى أن عمر المرء ينتهي وفي نفسه حاجة:
تموت مع المرء حاجاته
وتبقى له حاجة ما بقي
ثم سكت برهة تأمل، واستدركت قائلا: أي حال تسأل عنه يا صديقي؟ لعلك تسأل عن الحال التي نحن بها؟ أو الحال عموما، فبين هذه الأحوال فروق كبيرة، فقال: هذا يؤدي إلى ذاك، وأعلم أن الحديث ذو شجون، قلت: نعم هذا صحيح، أما إن كنت تسأل عن الحال عموما فحدّث ولا حرج، وهو كما ترى، يوم ذهب بخيره وشره، ويوم نحن نعيشه نجاهد أنفسنا فيه، ويوم قادم ننتظره لا نعلم ما يحمله ويخفيه إلا أننا وجلون منه، ولكن هناك أمرا غاية في الأهمية، ولا أخاله إلا جوهر ما نقول، وهو أن الناس ليسوا بالناس الذين كنا نعرفهم فيما مضى من الأيام، «ولا أعني في ذلك الجميع».
لقد تغيرت طباعهم وأخلاقهم وسلوكهم رأسا على عقب، حتى أن قيمنا وفضائلنا وخصائلنا الحميدة التي جبلنا عليها أصيبت بمقتل، وكأنها لم تكن، لقد اختلفت الأمور اختلافا كبيرا إلا من رحم ربي، ثم التفت إليه وقلت: ألا ترى معي ذلك حفظك الله؟ قال: بلى ورب الكعبة، صدقت فيما قلت، هذه هي الحقيقة التي يغض النظر عنها كثير من الناس، أو يتغافلون عنها متعمدين، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، ولكن بعض الناس تمادوا في غيِّهم ولعب إبليس برؤوسهم، وأصبحت لديهم الجرأة بشتم بعضهم البعض، ولم يعد الكبير يرحم الصغير ولا الصغير يحترم الكبير، بل وأصبحنا نرى أسرار الناس وأدق تفاصيلهم على مرأى ومسمع من الجميع، وبمعنى دقيق مات الضمير يا سيدي وقُبر.
قلت له: صدقت وأصبت كبد الحقيقة، لقد تمزقت الروابط الاجتماعية وبتنا لا نعرف أين نحن ذاهبون، لقد فسدت النوايا وطغت المظاهر، وغلبت المادة على كل شيء، فسد فينا كل شيء جميل أو كاد، فلا علاقة لنا بجيراننا وأهلنا وحتى أصدقائنا، ألا ترى يا صديقي أن كثيرا من الناس يتدخلون بما لا يعنيهم، إن أولوياتنا وضرورياتنا تاهت في الزحام، بيع الحق بالباطل والخطأ بالصح، حتى النعمة التي خصنا الله بها لم نعد نحمدها، أتعلم أن البراءة التي كنا نراها في عيون الأطفال انعدمت، لم نعد نراها وحتى المشاعر الجميلة تبلدت، هذا هو الواقع شئنا أم أبينا، صار سلوكنا يشوبه النفاق والريب والخداع، والمصيبة أن الابن عق أباه، والبنت لفظت أمها، والأخ هضم حق أخاه، والجار كره جاره، والغريب والمريب حقا أن بعض الناس صاروا يتباهون بالقبيلة دون الوطن وهذه مهزلة ما بعدها مهزلة، أنحن في دولة أو في صحراء، كان الفنانون في الماضي وقبل أن تكون الكويت دولة يضيفون لأسمائهم «الكويتي» عشقا في الوطن، فنجد عبداللطيف الكويتي ومحمود الكويتي وسعود الكويتي وغيرهم، فمتى كانت القبيلة تقاس بالوطن وهو العروة الوثقى والحصن الحصين، أيها الرجل وكلنا هذا الرجل، نحن زائلون والوطن باق، كلنا سنزول نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.