تبدو الجهود الدولية لوقف التدهور الميداني في أفغانستان خجولة، أمام التقدم المتسارع لحركة طالبان التي باتت تسيطر على أكثر من ربع الولايات الـ 34 عقب استيلائها على تاسع ولاية في غضون 6 أيام.
وما يزيد الموقف تعقيدا تقديرات حديثة للاستخبارات الأميركية بأن الحركة قد تعزل العاصمة الأفغانية كابول عن بقية أنحاء البلاد خلال 30 يوما، وربما تسيطر عليها في غضون 90 يوما، بحسب ما نقلت رويترز عن مسؤول دفاعي أميركي.
وأضاف المسؤول، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، أن التقييم الجديد يستند إلى المكاسب السريعة التي تحققها طالبان في أنحاء البلاد. وتابع: «لكن هذه ليست نتيجة محتومة»، مضيفا ان بمقدور قوات الأمن الأفغانية قلب الأمور من خلال إبداء مزيد من المقاومة للحركة المتمردة.
ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك رأيا يحظى بإجماع مجتمع المخابرات أم أن وكالات المخابرات المختلفة لديها وجهات نظر متباينة، وهو أمر مألوف.
ميدانيا، أفاد نائب أفغاني أن طالبان استولت أمس على مدينة فايز آباد عاصمة إقليم بدخشان في الشمال الشرقي بحسب وكالة فرانس برس. وقال النائب ذبيح الله عتيق: «كانت القوات الأمنية لا تزال تقاتل طالبان منذ عدة أيام، لكنها تعرضت لضغط شديد. طالبان استولت على المدينة الآن، والجانبان تكبدا خسائر فادحة». من جهته، قال جواد مجددي، عضو المجلس المحلي لإقليم بدخشان، لـ «رويترز»: «للأسف تراجعت قوات الأمن الوطنية الأفغانية بعد ساعات من القتال الضاري.. مع سقوط فايز آباد دان الشمال الشرقي بأكمله لسيطرة طالبان».
وأكد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أن مقاتليها استهدفوا بالصواريخ قاعدة باغرام العسكرية شمالي العاصمة كابول. وأنهم باتوا يسيطرون على ولايات بغلان وبدخشان ونيمروز وجوزجان وسربل وقندوز وتخار وسمنغان وفراه، من أصل 34 ولاية أفغانية.
جاءت سيطرة طالبان على فايز آباد تزامنا مع زيارة الرئيس أشرف غني إلى مدينة مزار الشريف أكبر مدن شمال البلاد لمؤازرة المدافعين عنها، التي عزلتها الحركة إلى حد بعيد عن بقية البلاد بينما تسيطر في الوقت الحالي أيضا على إمدادات الكهرباء من المناطق الشمالية المجاورة لكابول.
وأجرى غني محادثات مع الرجل القوي في المدينة عطا محمد نور وزعيم الحرب المعروف عبدالرشيد دوستم بشأن الدفاع عن المدينة.
وستشكل خسارة مزار الشريف ضربة كارثية لحكومة كابول وستعني انهيارا كاملا لسيطرتها على شمال البلاد المعروف بأنه معقل للمسلحين المناهضين لطالبان.
وأظهرت صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي للحكومة، دوستم يستقل طائرة في كابول الى جانب كتيبة من عناصر مسلحة في طريقه إلى مزار الشريف.
بعد وصوله إلى المدينة وجه دوستم تحذيرا إلى قوات طالبان التي تقترب من المدينة. وقال: «لقد قدمت طالبان عدة مرات إلى الشمال لكن في كل مرة كانت تقع في كمين. ليس من السهل عليهم الخروج».
وسرعان ما طغى على زيارة غني لمزار الشريف الإعلان عن استسلام مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية في قندوز المجاورة.
وقال ضابط في الجيش رفض الكشف عن اسمه انهم تعرضوا للقصف بالهاون في مطار قندوز ولم يكن أمامهم من خيار سوى الاستسلام.
وفي وقت سابق، قال عمر الدين والي عضو مجلس ولاية قندوز «استسلم مئات من الجنود والشرطيين وعناصر من قوات المقاومة كانوا متمركزين في المطار، لحركة طالبان مع كل عتادهم».
وأمام الهزائم التي لحقت بالقوات الحكومية، أفادت تقارير بأنه تمت إقالة قائد الجيش الأفغاني الجنرال ولي محمد أحمد زاي من منصبه، وتعيين الجنرال هيبت الله علي زاي قائدا جديدا للجيش.
ويقع إقليم بدخشان على الحدود مع طاجيكستان وباكستان والصين، الأمر الذي يعزز المخاوف الأمنية الأقليمية لاسيما في بكين وموسكو.
وذكرت صحيفة كوميرسانت الروسية نقلا عن وزير الدفاع سيرغي شويغو أمس إن طالبان تعهدت بعدم عبور الحدود، لكن موسكو ستواصل إجراء تدريبات مشتركة مع حلفائها في المنطقة. وصرح مسؤول في الاتحاد الأوروبي أمس الأول بأن المقاتلين يسيطرون الآن على 65% من أراضي أفغانستان.
سياسيا، تستمر الجهود الدولية بحثا عن حل سياسي في الدوحة، حيث يتفاوض ممثلون من قطر والولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة وأوزبكستان وباكستان والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب ممثلين عن حكومة كابول وطالبان.
واتهم رئيس لجنة المصالحة الأفغانية عبدالله عبدالله الحركة بانتهاك التزاماتها وأنها صعدت الحرب والعنف وشنت هجمات على المدن.
وأوضح عبدالله أنه تحدث مع ممثلي طالبان واتفق معهم على تسريع المفاوضات وإيجاد حل سياسي والقبول بوجود وسيط.
بالمقابل، أكد المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم التزام الحركة بإنجاح مفاوضات الدوحة، بحسب ما قال لقناة الجزيرة.
وعلى بعد أسابيع قليلة من استكمال سحب القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول 31 أغسطس، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه «ليس نادم» على قراره.
وقال للصحافيين في البيت الأبيض: «لقد أنفقنا ما يزيد على تريليون دولار أميركي على مدار 20 عاما ودربنا أكثر من 300 ألف جندي أفغاني وزودناهم بمعدات حديثة»، كما سقط الآلاف من الجنود الأميركيين بين قتلى ومصابين.
وشدد على أن أفغانستان يجب أن تخوض معركتها بنفسها، وأضاف بايدن: «عليهم أن يقاتلوا من أجل أنفسهم، أن يقاتلوا من أجل أمتهم».