«الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» مقولة شهيرة أول من قالها د.أحمد لطفي السيد وهو أول رئيس لجامعة القاهرة ثم وزيرا للداخلية فوزيرا للمعارف ورئيسا لمجمع الكتب في مصر، ولا شك أنه قالها حرصا على أدب الحوار واستمرارا لحبل الود بين الجميع، ومن واقع تجربة، لاستمرار الحوار بكل محبة، ولكن هذه المقولة أصبحت حبرا على ورق، وذهبت أدراج الرياح في زمننا هذا، نعم إن الاختلاف بين الناس ظاهرة موجودة في كل مكان في الدنيا، لكن الذي يهمني هو الاختلاف الحاصل عندنا في الكويت فهو اختلاف مختلف عن غيره وله طعم مغاير، خاصة ما بين الحكومة ومجلس الأمة، والنتيجة بلاشك عكسية علينا نحن بني الكويت، فكل له رأيه وتوجهه وليس هناك نقطة اتفاق ولا خط رجعة، ولا وفاق ولا اتفاق، هذا الأمر جعل كثيرا من الناس ينقسمون إلى مع وضد،، وللأسف فحالة الانقسام أصبحت سمة لمجتمعنا حتى وصلت إلى الخصام، لذلك فالحوار بين مجموعة ومجموعة لم يعد مجديا ولا نافعا، وأصبح الهجوم على من يخالفني مستباحا، وهو هجوم من العيار الثقيل.
والحقيقة أن مقولة الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية كذبة كبيرة لم نعد نصدقها ولا نؤمن بها، فما نلاحظه ونتابعه عكس ذلك تماما، فقد جذب حبل الود فانقطع، فليتنا نعود إلى صوابنا ونستفيد من أخطاء غيرنا، كان الطرماح بن حكيم الطائي الشاعر على مذهب الخوارج، وكان الكميت بن زيد شيعيا مواليا لأهل البيت وبين هذا وذاك بون كبير فلم ير أعجب حالا منهما، فالكميت عدنانيا متعصبا والطرماح قحطانيا متعصبا، كما أن الكميت كوفي صرف والطرماح شامي خالص، ومع ذلك فبينهما من الحب والاحترام والمخالطة والود الشيء الكثير، حتى ضرب بهما المثل، أما نحن فأبناء جلدة واحدة وبيننا من الاختلاف ما يصل بنا إلى الكراهية والحقد، ونرجو ألا يصل الاختلاف إلى نقطة اللاعودة، فلم نلفظ رأي غيرنا ونحارب من يختلف معنا؟ ولم جدالنا أصبح عقيما؟ ولم لا يكون جدالا بالتي هي أحسن؟ ولم لا نكون مثل الأسرة الواحدة نختلف ونتشاجر ونتخاصم ويظل الود يجمعنا في النهاية؟ ولم لا نجعل اختلافنا ظاهرة صحية؟ ولم الاستبداد بالرأي ومحو رأي الآخر؟
إن الاستخفاف بالرأي الآخر أمر يثير الغثيان ويجعل المتابع يضحك على ما يشاهده، وعندما تصل الأمور إلى حارة كل من يده له تفرط المسبحة وتعم الفوضى، وتتعطل مصالح البلاد والعباد، لقد أصبحنا نعيش «هذا معنا وهذا ضدنا» ومن كان ضدنا فهو عدونا اللدود!.
لقد كان الخوارج يقاتلون المهلب بن أبي صفرة قتالا شديدا في النهار، ويتبادلون الحديث مع جنوده ليلا، واليوم نحن نختلف لأقل الأسباب ويحارب بعضنا بعضا وكل يبحث على سقطة الآخر ليفضحه على الملأ، رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي فكأنه يخاطبنا وهو يقول:
إلام الخلف بينكم إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما.
نسأل الله الأمن والأمان وأن يهدينا إلى سواء السبيل.