فقدت الكويت واحدا من رجال الدولة برحيل العم عبدالله محمد العجيري، فقدنا قامة وطنية عملت بصمت وهدوء دون ضجيج إعلامي، وقد أتقن رحمه الله بكل مجالات عمله الوطني العام والخاص، وطوال حياته العملية كان مخلصا ومتفانيا في أداء واجباته المهنية. لقد كنا نسمع عنه دائما عندما نتحدث مع الوالد رحمه الله عن ذكرياته الدراسية والعديد من أصدقائه وكان أبرزهم العم بومحمد عبدالله العجيري الذي كان مقربا له منذ الطفولة.
وقد قال لي العم عبدالله رحمه الله ذلك في أول لقاء لي معه بجمعية المعلمين عندما عرفته على نفسي بحفل تكريم قدامى المعلمين المتقاعدين بأنه كان زميلا مقربا لوالدي بالصف أيام المباركية وان جدي ملا إدريس كان معلمه أيضا علمنا الحساب ومسك الدفاتر وكتابة الخط الذي اشتهر به رحمه الله، كما أضاف لي معلومة مهمة، حيث قال لي انه عندما عمل مسؤولا بالجمارك والموانئ مصادفة كان يعمل معه معلمه الملا إدريس محاسبا آنذاك.
والعم عبدالله العجيري كان من رواد ديوانية المعلمين تقريبا صباحا ومساء، وكانت حكاياته الجميلة لرواد الديوانية فيها من الطرفة والمتعة من مخزونه الغزيرة بالمعلومات المفيدة والممتعة. لقد تعلمنا منه التواضع والظرافة والسماحة وكان لا يبخل علينا بالمعلومات التاريخية التي يعرفها.
من هذه الحكايات ذكر لي ان والده افتتح مدرسة خاصة لتعليم الأطفال، وكان الملا إدريس أحد المعلمين فيها، لذلك يقول العم عبدالله «رحمه الله وأحسن مثواه» انه عاصر خمسة أجيال من عائلة «بن إدريس» وزامل جدي بالعمل في الجمارك ووالدي بالدراسة، وأيضا أنا زاملته بجمعية المعلمين وعندما التقى بابني محمد قال له مكررا بأنه زامل خمسة أجيال من عائلتنا، وفي آخر لقاء لي معه بعد التحرير أطلعته على صورة حفيدي «طارق» وذكرته بمقولته تلك وقلت له يا عمي يشرفنا بأنك صديق لعائلتنا وانك عاصرت ستة أجيال. رحم الله العم عبدالله محمد العجيري، مدرسة التواضع والأخلاق والسماحة والثقافة والأدب والتراث، انه من منجم أجيال الرواد الوطنيين الأخيار الذين تفانوا بخدمة وحب الكويت في كثير من المجالات والمحافل، إنهم القدوة الصالحة والخيرة الذين يجب علينا تخليد سيرتهم وإنجازاتهم ليبقى سجل الوطن الخالد المشرف حافلا بهذه الجواهر النادرة من رواد ورجال الكويت.
وداعا العم عبدالله العجيري رحمك الله بواسع رحمته وأسكنك نعيم الجنان وسيبقي عبق ذكراك وأحاديثك في ذاكرتنا نبراسا لأجيالنا الذين عاصرتهم ومن سيأتون بعد ذلك ليتفاخروا بهذه السيرة وهذه الصداقة التي امتدت بين عائلتنا وآل العجيري الكرام من عام 1890 منذ أيام جدنا جاسم بن إدريس ووالدكم محمد بن صالح العجيري حتى هذه اللحظة وإلى الأبد بإذن الله تخلدها الأجيال ويوثقها تاريخ حكايتك لنا، رحمك الله وأحسن إليك. وداعا عمي عبدالله، وفي جنة الخلود إن شاء لله.