ما أثقل هذا الشهر! .. ليس أغسطس الميلادي الحار دوما، لكنه محرم الهجري الحزين دائما، بما يصحبه من ذكرى مفجعة باستشهاد سبط المصطفى المختار رحمة للعالمين الحسين بن علي بن أبي طالب، وكوكبة مصطفاة من إخوته، وأبنائه، وصحبه، في يوم يعد ندبة سوداء في جبين التاريخ الإسلامي على مر العصور.. سبب الخروج من المدينة إلى أرض العراق على لسان صاحبه:«لم أخرج أشرا ولا بطرا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».. دواعي اصطحابه للنساء والأطفال في رحلته المحتومة نتائجها مسبقا، يبدي فيها الروائي الانجليزي تشالز ديكنز (1812- 1870) رأيا فيقول: «إن كان الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك، لماذا اصطحب معه النساء، والصبية، والأطفال؟» ويضيف جازما «العقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل دينه».. ويرد سيد شباب أهل الجنة عند سؤاله عن رفض البيعة بالقول «مثلي لا يبايع مثله»، وعن أخذ أسرته الكريمة معه إلى أرض كربلاء: «شاء الله أن يراهن سبايا».. وكان بعد استشهاد السبط أن أخذن سبايا مرورا بالكوفة وانتهاء بدمشق، كل ذلك في شهر محرم، فما أقساه، وما أثقله.
ويصف صاحب البيت الشعري الذي جرى مثلا «سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر»، الأمير والشاعر أبو فراس الحمداني (932-968) يوم العاشر من محرم الحرام، «عاشوراء» الذي خضب بالدماء الزكية، من أحفاد خير البرية، بقوله:
يوم بعين الله كان وإنما
يُملي لظلم الظالمين اللهُ
يوم عليه تغيرت شمس الضحى
وبكت دماً مما رأته سماه
تضحية وفداء الإمام الحسين أضحت نبراسا يُهتدى بنوره للبشرية جمعاء، كل ينهل منها ما يستحثه على نيل مراده، وتحقيق أسمى أهدافه.
المفكر المسيحي المعاصر انطوان بارا يقول: «لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبرا، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين».
ويقول جبران (1883 – 1931): «إن الحسين مصباح منير لجميع الأديان»، وفي الكفاح يذكره المناضل الهندي الكبير غاندي (1869 - 1948): «تعلمت من الحسين كيف أكون مهزوماً فأنتصر».
ولعلها كانت كلمة، تصد عن جسده الطاهر السيوف المشهرة..«بايعت»، وعنها يتحدث الأديب والكاتب المسرحي عبدالرحمن الشرقاوي (1921-1987) في مسرحيته الشعرية التي لم تر النور «الحسين ثائرا شهيدا»، حيث أورد حوارا شعريا بديع الإنشاء والسبك، بين الوليد بن عتبة والي المدينة، والحسين بن علي عليهما السلام، يطلب فيها الوليد البيعة لابن أخيه يزيد بن معاوية، «نحن لا نطلب إلا كلمة، فلتقل: بايعت واذهب بسلام».. الحسين: «كبرت كلمة.. وهل البيعة إلا كلمة.. ما دين المرء سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة.. ما شرف الله سوى كلمة.. أتعرف ما معنى الكلمة؟.
مفتاح الجنة في كلمة.. دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. الكلمة فرقان بين نبي وبغي.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة».
وأنت سيدي حاضر في وجدان الأمة.
٭ وختاما.. وكما يقول فيلسوف باكستان د.محمد إقبال (1877-1938) «..ودم الحسين نهاية العبر».
[email protected]