- الصناديق الخليجية تستحوذ على 35% من إجمالي أصول الصناديق السيادية بالعالم
- أصول صناديق الثروة تعادل نحو 385.6% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج
أعدها للنشر: مصطفى صالح
تنشر «الأنباء» دراسة خاصة لأستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د. نايف الشمري، تحت عنوان: «صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي بين الاستدامة والتحديات المستمرة»، حيث اهتمت الدراسة بتحليل استدامة الصناديق السيادية الخليجية، والتحديات التي تواجهها، سواء الحالية أو المستقبلية، فقد قامت دول الخليج بإنشاء صناديق الثروة السيادية كوسيلة لاستخدام الوفورات المالية التي راكمتها الإيرادات النفطية بغرض استثمارها بعيدا عن تقلبات أسواق النفط، وبالرغم من ﺗﺒﺎﻳﻦ حجم وأهداف وسياسات إنشاء الصناديق الخليجية ما بين دولة وأخرى، إلا أنها تسهم مجتمعة بأعلى حجم للأصول على المستوى العالمي، بنسبة تصل لنحو 34.7% من اجمالي أصول الصناديق السيادية بالعالم، حيث تعتبر صناديق الثروة السيادية التي تمتلكها دول الخليج من بين الأقدم في العالم.
السياسات الاستثمارية
بشكل عام، تركز الصناديق السيادية في الاستثمار بثلاث محافظ استثمارية رئيسة: أولاها، محفظة الدخل الثابت، والتي تشمل غالبا السيولة النقدية وأذونات الخزانة والسندات الحكومية، وثانيها، محفظة الأسهم، وتشمل أسهم المؤسسات والشركات الحكومية، وأخيرا، محفظة الاستثمارات البديلة، وتشمل استثمارات العقار واستثمارات البنية التحتية والاستثمارات في أسهم القطاع الخاص من مؤسسات وشركات.
وبمرور الوقت، تقوم معظم الصناديق السيادية بإعادة تغيير استراتيجياتها الاستثمارية والتي قد يترتب عليها الأخذ بأصول ذات مخاطرة، والقيام بشراكة مع كبار المستثمرين، وأخيرا قد تلجأ إلى التخلي عن الأصول السائلة وتحويلها لأصول أقل سيولة، بحثا عن العائد الأعلى، وبالنظر إلى أصول محافظ الصناديق السيادية الخليجية فهي تتكون من أصول استثمارية مختلفة، ذات عوائد متباينة.
ويلاحظ أن معظم الصناديق السيادية الخليجية قد ركزت استثماراتها السيادية في محفظة الاستثمارات البديلة، إذ تتميز بمتوسط للعائد السنوي معتدل، يقدر بنحو 8% بالنسبة إلى القطاع العقاري، ونحو 10% لقطاع البنية التحتية، بينما نجد أقل تلك الاستثمارات في محفظة الدخل الثابت، وهي تدر أقل العوائد مقارنة بالمحافظ الأخرى، فمتوسط العائد على السندات الحكومية يصل لنحو 2.5%.
وعلى الرغم من أن أسهم القطاع الخاص تدر أعلى عوائد بنحو 16% بالمتوسط إلا أنها تعتبر محافظ ذات خطورة مرتفعة مقارنة بالمحافظ الاستثمارية الأخرى. ربما نستنتج ههنا أن الصناديق السيادية الخليجية تتمتع بدرجة تنوع جيدة في استثماراتها، بحيث تتركز في قطاعات ذات عوائد معتدلة، وتتصف بدرجة مخاطرة معتدلة، وتتحاشي الدخول في أصول مضاربيه.
استدامة صناديق الثروة الخليجية
يعتبر مورد النفط واحتياطي الصرف أهم مصدرين لتمويل الصناديق السيادية في العالم، لذلك نجد أن الدول النفطية والتي من بينها دول الخليج تمول صناديقها السيادية من خلال عائدات النفط، بينما نجد الدول الأسيوية واستراليا تقوم بتمويل صناديقها من خلال احتياطي الصرف الأجنبي، المتحصل من عوائد صادراتها السلعية وغير السلعية.
ونظرا للمساهمة العالية للقطاع النفطي في الاقتصاد الخليجي، وما ترتب عليه من تعزيز استثمارات صناديقها السيادية، فإن دول الخليج تسجل مساهمة مرتفعة لنصيب حجم صناديق الثروة السيادية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019، حيث يصل مجموع أصول الصناديق السيادية الخليجية إلى نحو 385.6% من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الخليج، وهو ما يعتبر من بين الأعلى عالميا.
وتتصدر الكويت أعلى مساهمة لتلك الصناديق بحوالي 386%، وأدنها في سلطنة عمان بنحو 43%، هذا علما بأن تلك النسب تتغير مع التغير في أسعار النفط، وما يصاحبه من تراجع في الإيرادات النفطية من جانب والناتج المحلي الإجمالي من جانب آخر.
التحديات القائمة والمستقبلية
على الرغم مما تمتاز به الصناديق السيادية في العالم إلا أن ثمة تحديات مستقبلية تواجهها، بما فيها الصناديق السيادية الخليجية، وتتركز تلك في خمسة من تحديات أساسية:
1 ـ تمويل الصناديق السيادية الخليجية
تعتبر طريقة تمويل التدفق المالي للصناديق في دول الخليج من أهم الوسائل لتحسين عملية إدارة الصندوق والذي يتم من خلال العائدات النفطية بشكل أساسي، وتكمن أهميتها ليس فقط في تمويلها من العوائد النفطية ولكن من خلال تعزيز الصناديق السيادية بالاحتياطات المالية اللازمة مباشرة من النقد الأجنبي دون الدخول في مخاطرة أسعار الصرف والتحويل بين العملات.
فالتقلبات في أسواق النفط تؤثر في حجم وأنماط الاستثمار لدول الخليج، حيث يضع التراجع في أسعار النفط على المدى البعيد أو حتى المتوسط الصناديق السيادية أمام تحد كبير، هذا ما لم يعجل بتطوير الاقتصاد المحلي، وبخاصة بيئة الأعمال والاستثمار والصناعة.
فهي مناح تكفل تمويلا مستديما للصناديق في فترات الركود الناجم عن تراجع أسعار النفط. إن الاستفادة من الظروف المواتية بوجود تكلفة منخفضه لإنتاج النفط وأسعار مرتفعة لبيعه يخلق فرصا حقيقية لتطوير الصناعات، والتأخير في الاستثمار بتلك الصناعات قد يعني رفع التكلفة على المدى المتوسط والبعيد.
والميزة أن العوائد من الصناعات تتحقق في العادة على المدى البعيد. إن مستقبل تمويل الصناديق السيادية مرهون بتطوير اقتصادات دول المجلس وتنويعها، بما يكفل تدفقا ماليا لتمويل الصناديق في المستقبل، في حال تراجع الفوائض المالية أو عدم كفايتها لتمويل الموازنة العامة بالدولة.
2 ـ الشفافية والحوكمة
بحسب مؤشر لينبرغ-مادول لشفافية الصناديق السيادية (Linaburg-Maduell Transparency Index) لمعهد صندوق الثروة السيادية، فإن هذا المؤشر يقيس مدى الشفافية في عمل الصناديق السيادية وتعاملاتها المالية. ويتراوح المؤشر بين رقم (1) وهو الأقل شفافية إلى الرقم (10) وهو الأعلى شفافية، علما بأن الحد الأدنى المقبول لتحقيق الشفافية اللازمة لممارسة عمل الصناديق السيادية هو الحصول على (8) نقاط في المؤشر كما يشير إليه معهد صندوق الثروة السيادية.
وتحديدا يقيس المؤشر بشكل أدق المبادئ المتعلقة بإنشاء الصندوق، ومصدر التمويل، والهيكل التنظيمي لملكية الحكومة بالصندوق، كذلك يقيس المؤشر شفافية التقارير السنوية لأنشطة الصندوق، ومدى وضوح إدارة الاستراتيجية الاستثمارية للصندوق.
ومن الملاحظ، أن الصناديق السيادية التابعة لدول الخليج قد حصلت على نقاط أقل من الحد الأدنى المقبول، وهو 8 نقاط في مؤشر لينبرغ- مادول للشفافية باستثناء صندوق «مبادلة» مملوك لإمارة أبوظبي وصندوق «ممتلكات» البحريني، وإذا ما تمت مقارنة الصناديق الخليجية الأخرى بالصناديق السيادية العالمية المماثلة لها بالحجم، نجد أن الصناديق الخليجية جاءت أقل من الشفافية المرصودة في عمل الصناديق السيادية الأخرى.
واستنادا إلى هذه النتائج، تبرز ضرورة تدعيم الممارسات المتعلقة بالحوكمة والشفافية للصناديق السيادية والتي من شأنها ضبط استخدام الموارد اللازمة لعمل الصناديق واتخاذ القرارات المناسبة بشأنه، كما أنها تسهم في رفع مستوى شفافية الإجراءات المالية وتحد من الفساد. إن وجود نظام قانوني للإفصاح والشفافية في التعاملات، وبخاصة المالي منها، يضمن الانسيابية في توجيه العائدات النفطية مباشرة إلى الصندوق السيادي، ويقلل من احتمالات استغلال تلك الأموال من قبل السياسيين والقائمين على الصناديق.
3 ـ درجة الانكشاف على الموازنة العامة
نظرا للارتباط الوثيق بين الصناديق السيادية الخليجية ومصدر تمويلها المتمثل في العائدات النفطية، وكون الاقتصادات الخليجية تمثل اقتصادات نفطية بشكل أساسي، فإن تراجع أسعار النفط على المدى المتوسط والطويل يشكل عبئا ليس فقط على تلك الصناديق من حيث تمويلها وإنما على الموازنات العامة لهذه الدول واحتمالية السحب من احتياطيات الصناديق وتسييل أصولها الاستثمارية خاصة مع تسجيل عجز متواصل في الموازنة العامة. إن تفاقم عجز الموازنات العامة في دول الخليج يؤثر بحدة في ديمومة واستقرار الموارد المالية. والأمر يصبح أكثر خطورة في ظل تأجيل استراتيجيات تنويع مصادر الدخل لاقتصاداتها وحمايتها من مخاطر تقلبات أسواق النفط. وعلى هذا الأساس، فإن معيار توازن الموازنة العامة، يقيس درجة المخاطرة المرتبطة بتوازن الموازنة العامة لدول الخليج.
إن ارتفاع معيار توازن الموازنة العامة يعكس الانخفاض في المخاطر المتعلقة بالتوازن في الموازنة العامة، أما انخفاض المعيار فيشير إلى ارتفاع في المخاطر المتعلقة بالتوازن بالموازنة العامة. وكما هو موضح فإن دول الخليج تعاني من تقلبات عالية في معيار توازن الموازنة العامة، وبخاصة في دول مثل الإمارات والسعودية، وبدرجة أقل نسبيا لدول كقطر وعمان والكويت. في حين تشهد البحرين أقل تقلبات في معيار توازن الموازنة العامة، فقد حصلت في هذا المعيار أقل تقديرات، مما يشير إلى وجود مخاطر أكبر تتصل بتوازن الموازنة العامة.
4 ـ الاستقرار المالي والاقتصادي
إن خلق قاعدة إنتاجية متنوعة في الاقتصادات الخليجية من شأنه تطوير عملية تنويع المحافظ الاستثمارية، بما فيها الصناديق السيادية، ونظريا فإن تراكم احتياطيات النقد الأجنبي المتحصلة من عائدات الصادرات النفطية يخلق سيولة كافية لتمويل الصناديق السيادية وممارسة أنشطتها، بيد أن التحول في الأنشطة الاستثمارية للصناديق السيادية من الدولار الأميركي إلى العملات الأجنبية الأخرى، إضافة إلى إعادة التوزيع الاستراتيجي للأصول، كشراء أسهم شركات أجنبية غير مدعومة بالدولار الأميركي، أو شراء سندات حكومية أخرى مسعرة بعملات أجنبية بخلاف الدولار الأميركي، قد تؤدي إلى الانكشاف على مخاطر متعلقة بسعر الصرف، والتي عادة ما ترتبط بمخاطر مماثلة في حجم السيولة الكلي في الدولة. ومن هذا المنطلق، فإن مؤشر المخاطر المتعلق في السيولة، يشير إلى أن ارتفاع المؤشر يعكس مخاطر أقل، تتعلق بالسيولة، في حين أن تراجع المؤشر يعكس الارتفاع في تلك المخاطر.
ومن خلال النظر في أداء مؤشر السيولة الدولية لدول الخليج، نجد أن هناك ارتفاعا ملحوظا في المخاطر المرتبطة بالسيولة، حيث إن مؤشر السيولة الدولية أخذ بالتراجع منذ عام 2015 لجميع دول الخليج ومنذ عام 2010 للبحرين، ويعزى ذلك إلى التراجعات الحادة لأسعار النفط خلال تلك الفترة. وإذا استمر هذا الارتفاع في درجة المخاطر المرتبطة بالسيولة، فإن ذلك سيهدد الاستقرار المالي والاقتصادي لدول الخليج وبالتالي سيحد من ممارسة انشطة الصناديق السيادية.
5 ـ تنافسية الاقتصاد المحلي
كل صندوق سيادي يعتبر فريدا من نوعه من حيث المحفظة الاستثمارية التي يديرها واستراتيجياتها وأهدافها، ولكن يتمثل الغرض الأساسي لكثير من الصناديق في المحافظة على الموارد المالية اللازمة لاستدامتها مع الأجيال القادمة على المدى الطويل، بيد أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يعتبر هدفا ضمنيا تسعى الصناديق السيادية لتحقيقه على المدى القصير والمتوسط.
ولا يوجد شك بأن الصناديق السيادية تلعب دورا محوريا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدول المالكة لها، بيد أن استثمار تلك الصناديق بالشكل الذي يحقق الأهداف المرجوة مرتبط بدرجة عالية في رفع مستوى القدرات التنافسية لتلك الاقتصادات، والتي تتم من خلال التركيز على بيئة الأعمال، ورأس المال البشري، والأسواق، وأخيرا منظومة بيئة الابتكار.
هذا وقد تم اختيار بعض المؤشرات التي تقيس تلك العوامل الأربعة وذلك من خلال استخدام مؤشرات التنافسية والصادرة من منتدى الاقتصاد العالمي ومقره جنيف والتي تستخدم لتقييم مستوى الانتاجية في الاقتصاد.
فتنافسية بيئة الأعمال يتم قياسها من خلال مؤشر المؤسسات، ورأس المال البشري يتم قياسه باستخدام مؤشر المهارات، أما تنافسية الأسواق فيقيسها مؤشر النظام المالي، وأخيرا منظومة بيئة الابتكار يتم قياسه باستخدام مؤشر ديناميكية الأعمال.
وبالعموم، فإن الأداء الجيد لدول الخليج في مؤشر النظام المالي، والجيد نسبيا في مؤشر المؤسسات، ما زال يحد منه تراجع مؤشرات رأس المال البشري، تتطلب عمليات تحسين تنافسية الاقتصادات الخليجية في التنمية البشرية، وتحسين بيئة الابتكار ونظمه.
ومن الضروري أن تعمل الحكومات على تطوير وتدريب العمالة وتحسين المهارات المكتسبة للخريجين، والقيام بإصلاحات تشريعية ومؤسسية واسعة، تضمن خلق بيئة أعمال مشجعة، فحاجة دول الخليج لإيجاد أصول حقيقية بديلة للمورد النفطي هي ضرورة لتعويض التراجع المتوقع في الدخل القومي ولكن هذا يتطلب إيجاد اقتصاد تنافسي قادر على زيادة تحسين رفاهية الافراد والحفاظ على معدلات نمو متوازنة قادرة على خلق فرص العمل واستقرار المستوى العام للأسعار.
توصيات الدراسة
٭ لا تقاس الجدوى الاقتصادية للصناديق السيادية فقط من خلال عوائدها المالية، ولكن من خلال تحقيق أهداف إنشائها، وتنويع مصادر الدخل.
٭ التعجيل بإصلاحات سياسية واقتصادية في دول الخليج ضرورة ملحة، لخلق بيئة مناسبة لتشجيع القطاعات غير النفطية وجذب الاستثمارات.
٭ لا تتحقق الإصلاحات إلا من خلال إرادة حكومية جادة تستطيع استيعاب كلفتها السياسية والشعبية على حد سواء.
٭ ضرورة الاهتمام بمتطلبات التنمية من تعليم وصحة وبنية تحتية وتطوير استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لاستيعابها بمجال التعليم والتدريب.
٭ نظام توزيع الثروة الحالي بالخليج، لا يعتبر ذا كفاءة عالية، رغم قدرة بعض الدول على تحمله، ويبقى المتحافظة على مستوى الرفاهية تحد حقيقي.
٭ يعد تمويل عجز الميزانية بالاعتماد على ثروات الصناديق السيادية من سلبيات إدارة الموارد الاقتصادية، ولابد من مقاومته بأطر قانونية تحمي هذه الصناديق.
٭ تعديل الهياكل التنظيمية للصناديق القائمة، بشكل يتماشى مع مستجدات التعاملات المالية بالعالم، واستنباط الهياكل التنظيمية والوظيفية من الصناديق الناجحة.
٭ تجدر بالعموم الاستفادة من التجارب الناجحة في التعامل مع الصناديق السيادية كالصندوق النرويجي على سبيل المثال، من خلال التعاون وتبادل الخبرات.
الانكشاف على النفط.. يهدد استدامة الصناديق السيادية
يظهر بجلاء أن مساهمة العوائد النفطية من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج ترتبط بشكل أساسي بحركة متوسط سعر النفط لجميع الدول الخليجية، باستثناء البحرين، كونها الأقل انتاجا للنفط، وأن ارتفاع النفط ينعكس ايجابا على زيادة العائدات النفطية، أما تراجع سعره فله تأثير سلبي على هذه العائدات، وبما يؤدي لخلق صدمات اقتصادية مع تقلب العوائد الحكومية ومعدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تراكمت، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، الأصول السيادية إلى أعلى المستويات، في خلال فترات استثنائية تاريخية من ارتفاع أسعار النفط، إلا أن انكشاف الدول الخليجية على المورد النفطي بشكل كبير قد خلق ضغوطا على استدامة صناديق الثروة السيادية، وبخاصة في الفترات التي تنخفض فيها أسعار النفط.
التقلبات بمعدلات النمو الاقتصادي
تخلقت تشوهات في اقتصادات دول الخليج جراء تقلبات العوائد النفطية، وظهور تقلبات دورية في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث نجدها مرتفعة في خلال الفترة من 1970 لغاية 2019، حيث سجلت السعودية أعلى درجة انحراف لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بعد لبنان بنحو 11.92 نقطة، كذلك سجلت الكويت وقطر والامارات وعمان درجات انحراف أعلى من متوسط درجة انحراف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وهذه النتيجة بحد ذاتها كفيله بفهم درجة الانكشاف العالية لاقتصادات دول الخليج على تقلبات أسعار النفط، وكيف أنها تؤثر بالتبعية على تنفيذ أية سياسات أو قرارات تعني بالإصلاحات الاقتصادية والمالية سواء بتأجيلها أو تعديلها أو إلغائها.
قياس درجة البيروقراطية
يعد أحد الطرق للتعرف على أداء المؤسسات في الدول، من خلال قياس درجة البيروقراطية أو ما يسمى بسيادة الإجراءات الإدارية والقانونية، فإنشاء الصناديق السيادية له أهداف اقتصادية واستثمارية وأيضا سياسية يسعى لتحقيقها، في حين إن تفشي البيروقراطية وبالتالي تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تخشى التعامل مع هذه البيروقراطية يخلق ضغوطا على الحكومات في ترويج الأصول غير المستغلة وبالتالي إقناع المستثمرين في المشاركة في استثمارات الصناديق السيادية.
إن إزالة التعقيدات البيروقراطية والإدارية وتحسين بيئة أداء الأعمال في الاقتصاد المحلي من شأنه تعزيز التعامل مع التنظيم المطلوب في صناديق الثروة السيادية، ونجد أن متوسط معيار جودة الاجراءات البيروقراطية لدول العالم للفترة من 1985 إلى 2019 يساوي حوالي 2.16 نقطة، حيث سجلت عمان والكويت وقطر درجات أقل من متوسط دول العالم في حين سجلت كل من الامارات والبحرين ثم السعودية متوسط أكبر من دول العالم. ولكن إذا ما قورن مع متوسط الدول الأخرى المالكة للصناديق السيادية نجد أن دول الخليج على الرغم من تفوقها من ناحية حجم الصناديق السيادية، إلا أنها أقل جودة من حيث الاجراءات البيروقراطية مقارنة مع الدول الأخرى المالكة للصناديق السيادية كالنرويج وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ. فتراجع المعيار يعني عدم وجود تنظيم مؤسسي قادر على امتصاص أية صدمات بعيدا عن الضغوط السياسية، التي قد تنتج على إثر تغيير السياسات والقوانين واللوائح محليا.