قد يكون اليابانيون من أكثر شعوب الأرض حرصا على تراثهم وتسويقه حول العالم، وممكن أن يكون سبب ذلك هو ما مرت به اليابان من الدمار والاحتلال الذي قامت فيه دول المحور على اليابان، فأصبحت لديهم هزة قوية لتراثهم الذي يعتبر الجزر اليابانية مقدسة، لا يحق لأي شعب أن يحتلها، ويعتبر الإمبراطور الياباني من سلالة الآلهة، فلا يحق لهم رؤية أو سماع صوته، ولكن تم هز هذه المعتقدات بمجرد خسارة اليابان للحرب، وبدخول الأفكار الغربية بكثرة جعل اليابانيين يلتفون أكثر حول تراثهم وتمجيد هويتهم الوطنية، فتجد الياباني حاليا شكله الخارجي غربيا، ولكن مضمون أفكاره واعتقاداته يابانية صرفة، وحتى لو صبغ شعره في اللون الأصفر.
كبار السن من اليابانيين الذين عايشوا فترة الحرب هم أشد الناس تعلقا بالهوية اليابانية، وهم حريصون دائما على نشرها بين الأجيال اللاحقة، فعندما يرون الشباب يرتدي الزي الياباني الرسمي، يحاولون أن يعلموهم آلية ارتدائه الصحيحة، فتجد كبيرات السن خصوصا، يستدعين الفتيات المرتديات للكيمونو، ومن دون سابق معرفة، ويبدأن بنقد طريقة لبسهن، ويحاولن تصحيحها، كوضعية ارتداء الحزام التي يجب أن تكون في مكان معين، وطريقة رفع الأكمام وآلية المشي وغيرها من الأشياء الدقيقة التي لا يعطيها الجيل الحالي اهتماما كبيرا، لذلك استحدث الشباب الياباني كلمة تصف كبار السن هؤلاء، وفي نوع من التهكم عليهم وهي (كيمونو كيساتسو) وتعني شرطة الكيمونو.
الجيل الياباني الحالي عزف عن اللباس التقليدي، لأسباب عديدة منها (شرطة الكيمونو) تلك التي تحرجهم، وتسبب لهم ربكة، وخوفهم من الانتقاد وضحك الشرطة عليهم، وطبعا نية كبار السن هؤلاء هي المحافظة على التراث والهوية اليابانية، لكن النتيجة أنهم نسفوها ونفروا الشباب من ارتداء الزي التقليدي، وطريقة التنفير هذه ليست مقتصرة على اليابانيين، وهي موجودة بكثرة لدينا، رغم صدق النوايا بالتصحيح والمحافظة على الهوية والتراث، إلا أن آلية توصيل المعلومة تكون خاطئة وفي غير محلها، وينتج عنها نفور الأجيال الجديدة من هذه الهوية، حتى لا يصبحوا مادة للسخرية و(الضغاط) للكبار، وأكثر ما يتعرض للنقد لدينا هم الفتيات، فتارة ينتقدون عباءة الأكتاف وتارة العباءة المخصرة، وكل صغيرة وكبيرة في لباسهن، ما سبب لنسبة ليست بسيط منهن روح التمرد والرغبة بالخروج على المألوف حتى يشفوا غليلهن من هذا التسلط الاجتماعي.. والخلاصة أن نصح الآخرين فن إن قام به من لا يتقنه أتى بالعجائب، ودمر النفسيات، وزاد الطين بلة.