«محمد اللهيميد» شاب ولد على هذه الأرض وانتمى لها ولا يعرف وطناً غيرها، ولا ولاءً إلا لها.. انتماؤه وأهله وذكرياته وسنوات عمره لهذه الأرض وهذا الوطن، لكن القوانين العقيمة والتقاعس في حل مشكلته ومشكلة عشرات الآلاف مثله وضعف التشريعات في المعالجة جعلت من محمد «بدون» جنسية أو مقيماً بصورة غير قانونية.
وعندما نقول «بدون» في الكويت، هذا يعني أنه شخص محروم من الكثير من الحقوق، بدون أوراق ثبوتية ولا عمل، وإذا عمل فاليوم يسمح له وغدا يُمنع عنه، يعمل أحيانا ولكن مع حجز راتبه بالبنك، يعطى إجازة قيادة ولكنها تسحب بعد مدة، يكلف بعمل في مؤسسات حكومية وبعدها يفصل من دون سبب، خاضع لقرارات قاصرة وناقصة وكل يوم هو في حال، وفوق هذا وذاك يصنف درجة ثالثة بعد المواطن والمقيم.
ومع هذه المعاناة المؤلمة والقاسية وكمية الغبن والقهر ينتحر البعض ويهاجر آخرون، وأحسنهم حالاً من يبحث عن جنسية وهمية لبلد غير موجود على الخارطة لينتقل من بدون إلى مقيم أو وافد. (محمد) بعد أن وصل إلى مرحلة الصفر واستنفد طاقته بتحمل المعاناة قرر الهجرة والبحث عن وطن يحمل جنسيته.
إلى هنا تبدو القصة عادية ومكررة، ولكن من يطّلع على تفاصيل قصته يعلم مدى المعاناة، فرحلة محمد اللهيميد ابتدأت من تركيا إلى اليونان وصربيا وكرواتيا ثم ألبانيا وبلغاريا والنمسا وفرنسا وتوقف عن نقطة الحلم - كما يسميها - بريطانيا.. رحلة ومعاناة استمرت ثلاث سنوات نقل من خلالها معاناته ومعاناة وقصص الآلاف من المهاجرين هجرة غير شرعية معاناتهم مع الحدود ومعاناتهم من القوارب البحرية المطاطية ومعاناتهم من العيش في الغابات والجوع والتيه.
ما جذبني في قصة محمد أمران، لعل هذه الكلمات تصل إلى المسؤولين للاستعجال في حل قضية «البدون»، الأمر الأول أن كثيرا من البدون وعلى مدى أكثر من 50 سنة ولدوا بالكويت وبعضهم وجد فرصته للتعليم ولكن عدم إنصافه جعلته يهاجر كي يصبح ذا شأن في بلد المهجر، إما طبيبا مميزا أو كاتبا مشهورا أو سياسيا أو عالما، فقصص نجاحات البدون كثيرة.. كانت الكويت أولى بهذه النجاحات.
الأمر الثاني كمية الطموح والأمل والتفاؤل عند محمد اللهيميد، فقصته أشبه بفيلم، فيه من الدراما والأكشن والكوميديا السوداء، الكثير استطاع أن يوثقها ولعله يوثقها في كتاب ليكون مرجعا لقصة الهجرة غير الشرعية ومعاناة الآلاف من الناس الهاربين من الظلم والفقر في بلادهم إلى بلد أقل ما فيه أن تتنفس الحرية والطمأنينة.
يا ترى كم من محمد يعيش بيننا، كم من شاب أو فتاة من البدون لديه القدرة والمعرفة والموهبة وقادر على أن يسهم في تنمية الكويت، وكم من رجل قضى عمره في هذا البلد وشارك في الدفاع عنه وتزوج وكوّن أسرة ورزقه الله بالأبناء والأحفاد ويأتي أجله فيتوفاه الله.. ومشكلته كـ «بدون» لم تحل له ولا لأبنائه ولا أحفاده.
وأصبح «البدون» يدورون في حلقة مغلقة من المعاناة، ومن رحم المعاناة تظهر المشاكل والسلوكيات والتميز العنصري وتظهر الجريمة.. وحل مشكلة البدون هو أمان ليس لهم فقط بل للبلد بشكل عام.