العام 1975 فيتنام الشمالية، سايغون، أميركا بقواتها وحدها وحديدها تغادر على عجل، الأميركيون فقط من يغادر ولا مكان للمتعاونين معهم من الفيتناميين، مشهد الطائرة الهيليكوبتر على سطح المبنى وقد امتلأت بالمغادرين، أحد الفيتناميين متعلقا بأطراف الطائرة بما استطاعت قبضته أن تمسك، ولكنه يفاجأ بلكمة على وجهه من أحد موظفي السفارة الأميركان ليسقط بعدها على الأرض، ربما تلقفته الفيتكونج أو أصيب من ذلك السقوط لا يهم، عذراً أيها المتعاون فلا مكان لك بيننا اليوم، في هذه اللحظة، لقد انتهى عملك معنا، صورت هذه المشاهد لتكون واحدة من أشهر الصور الدرامية التاريخية في نهايات القرن العشرين، يا له من مصير مشؤوم.
العام 2021 كابول، أفغانستان، بعد 17 سنة من الاحتلال الأميركي بدعوى محاربة الإرهاب، تقرر أميركا المغادرة على عجل، تكاليف الوجود الأميركي بين تلك الجبال أصبحت مرتفعة وأكلاف هذه الحرب عالية حتى على اقتصاد دولة عظمى، تقليل الخسارة مكسب ولا حاجة لاصطحاب كل شيء في تلك القاعدة، تغادر القوات الأميركية بين ليلة وضحاها بعد أيام طويلة من تقدم مستمر لقوات طالبان، 17 سنة من القتال مع طالبان ثم هذا الانسحاب السريع أمام مقاتلين لا يملكون إلا الأسلحة الشخصية، يا لسخرية الأيام، الخلاصة لا مكان للمتعاونين في تلك الطائرات.
لم يتعلموا الدرس أبدا، يزدحم المطار بالأفغان الفارين، بعضهم يتعلق بعجلات الطائرات وهي تتحرك على مدرج المطار، يتعلقون على أطراف الأجنحة وزوايا ذلك الجسم المعدني الذي لا يرحم ولا يعبأ بتلك الأيدي التي تستغيث، وبمشهد خيالي دامٍ لم يتوقعه بشر، تقلع تلك الطائرات غير عابئة بهؤلاء، يقتل بعضهم بالتزاحم وبعضهم دهسا وآخرون يسقطون من السماء صرعى على الأرض بعد أن أقلعت بهم الطائرة وهم خارجها، رفضوا فتح الأبواب لهم، عذرا فلا مكان لكم هنا، أين الديموقراطية؟ قيم الحرية؟ الإنسانية؟ حقوق الإنسان؟، لا أعلم! فقائد الطائرة أميركي وليس عليه أن يبرر، أو أن يقول كلمة آسف.
17 سنة من الاحتلال ماذا كنتم تصنعون؟ بعد إنفاق ما يقارب تريليون دولار على هذا الغزو، لماذا أصبحت أفغانستان أسوأ من ذي قبل، لم يكلف الأمريكان أنفسهم بناء أي شيء في أفغانستان، لا مدرسة ولا جامعة ولا أي مركز صحي ولا طريق معبد يقطع هذه الجبال ولا اقتصاد يلملم هذه القوة البشرية الهائلة، لا شيء على الإطلاق، حتى في حربكم على الإرهاب فشلتم، كانت «طالبان» في السابق تتسلح بصواريخ ستينغر الأميركية فقط الآن بفضل التخطيط الأميركي الجهبذ أصبح لطالبان جيش كامل جاهز العتاد، مدرعات همفي مسلحة مدافع آلية أميركية مدافع وقنابل هاون، بل وحتى طائرات تدريب ومراقبة وطائرات هليكوبتر من بقايا الجيش الأميركي، هكذا تكون الحرب على الإرهاب؟ لا أعلم ولكن شخصيا طرأ على بالي كلمة الرئيس الراحل حسني مبارك (المتغطي بالأمريكان عريان)، آسف على الإطالة، وفي الختام سلام.