الأمثال العربية تحكي واقعاً وتجربة، ولا غنى للناس عنها، لذا تجد الناس يتمثلون بهذه الأمثال التي تناسب ظروفهم التي يمرون بها، وتجاربهم مع الحياة، فيجدون فيها ضالتهم المنشودة، من خلال الأحداث التي يتعرضون لها، وجل هذه الأمثال حكم ومواعظ وإرشادات تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، ولأهميتها القصوى نجد القرآن الكريم يحتوي على أمثال كثيرة تشكل جانبا من أهم جوانب حجج الله تعالى على جميع خلقه، أما قولهم «أعط القوس باريها» فهذا مثل عربي صرف، به نصيحة مفادها أن على المرء أن يستعين على عمله بمن يحسنه، حتى لا يفسد عمله، ففاقد الشيء لا يعطيه، وقد أخذ هذا المثل من قول الحطيئة:
يا باري القوس بريا لست تحكمه
لا تظلم القوس أعط القوس باريها
ومن الخطأ بمكان وضع الشيء في غير موضعه، لأن في ذلك خللاً كبيراً، وكان الأجداد يقولون بلهجتهم العامية الجميلة: «عط الخباز خبزه لو أكل نصه»، من هنا أقول إنه لابد من وضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا نضع مسؤولا لا مسؤول، ولا إعلاميا لا يميز النصب من الرفع، ولا مديرا لا يعرف أن يدير نفسه، ولا معلما يحتاج إلى من يعلمه ولا وزيرا لا يدرك أن الوزارة وزر، فالاستعانة على مثل هذه الأمور لا تكون إلا بأهل المعرفة والحذق فيه، وغير ذلك لا يكون.
ومن الخطورة بمكان قيام أناس بأمور لا يحسنونها، فوضع الرجل المناسب في المكان المناسب من أكثر المبادئ ارتباطا بمفهوم الجودة، ومن هنا قيل: الرجل المناسب في المكان المناسب، ولا يكون ذلك إلا بحسن الاختيار، وإذا أحسنا الاختيار عمت الفائدة والخير على الجميع، والشواهد على ذلك كثيرة، فهذه ابنة النبي شعيب عليه السلام تفرست في النبي موسى عليه السلام الخير، فقالت لأبيها: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) فأحسنت الاختيار.
كما جاء في الحديث الشريف «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن موعد قيام الساعة، فقال له: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال الرجل كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري). فكل عمل له أهله، وكل ميدان له فارسه، وغير ذلك خيانة وتضييع للأمانة وخلل كبير، لأن مثل هذه الأمور ليست بها محاباة، خاصة ما يتعلق بالتربية والتعليم والإعلام، والشرطة الذين يحتكون بالناس، والزواج أيضا، الذي يحدد مصير أسرة، وما كثرة الطلاق عندنا إلا من سوء الاختيار، والزواج بالذات لابد قبل الإقدام عليه من الاستخارة والاستشارة.
وفي النهاية، أقول لكل من أعطي قوسا ليس بباريها، ووضع في مكان لا يصلح له أن الفشل مصيرك، فالحق ليس عليك ولكن على من اختارك في مكان لا تصلح له، فظلم الناس بك، وظلم نفسه وظلمك، وبذلك يكون ارتكب خطأ جسيما، وذنبا عظيما كان في غنى عنه، ودمتم سالمين.