[email protected]
الانسحاب كما عرفناه وعايشناه هو إجراء تخرج به دولة من اتفاق هي طرف فيه متى كان خروجها جائزا!
كلنا شاهدنا من خلال المحطات الفضائية وأجهزة التلفاز كيف كان الانسحاب الأميركي السريع وسيطرة طالبان على العاصمة كابول والمدن الأفغانية الأخرى، وما نتج عن هذا الانسحاب المتفق عليه ربما في المحادثات التي جرت في الدوحة!
واضح قصد الطرفين في ترك الأمور كما رأيناها حتى تأتي طالبان وتحاول جاهدة ملء الفراغ الإداري والسياسي والفني واللوجيستي كبديل عن حكومة أفغانستان المهزومة برئاسة الرئيس أشرف غني، والذي كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية لعام 2009 وحل رابعا بعد حامد كرزاي وعبدالله عبدالله ورمضان بشر دوست، وقد شغل سابقا منصب وزير المالية وكذلك رئيسا لجامعة كابول وكان من المفترض من يملك كل هذه الخبرات والتجارب ألا يترك شعبه ويهرب بسيارات الجيب المحملة (بالورق نوت) إلى دولة مجاورة تاركا كل من عملوا معه طيلة السنوات العشرين الماضية في مهب الريح!
إن حكومة أفغانستان المهزومة وحلفاءها مسؤولون عن كل هذه الفوضى التي شاهدناها في مناظر إنسانية يندى لها جبين الإنسانية، أُناس يتشبثون بالطائرة ويعلمون أن مصيرهم الموت، ولكنهم يعتبرونه أفضل حالا لهم من البقاء في أفغانستان في هذه المرحلة التي تتحول فيها أفغانستان من كل الشتات إلى دولة (مدنية طالبانية) والى حزب سياسي مسيطر على كل الأوضاع بدعم قبائل البشتون في أفغانستان وبيشاور الحدودية!
إن الأخطر من الانسحاب الأميركي هو ما تم من إجلاء لكل القوى الوطنية المدربة والمؤهلة التي بنيت خلال 20 عاما من فنيين ومهندسين وأطباء وأساتذة تعليم جامعي وتخصصات كانت تملء أجهزة الدولة والمستشفيات والبنوك والجامعات إضافة إلى طبقة رجال الأعمال والتجار والمقاولين وكم هائل من الإعلاميين المتخصصين وعقول كثيرة في كل المجالات وكفاءات نادرة في معرفة اللغات وإدارة الدولة ووصل الأمر حتى إلى إجلاء اللاعبين الرياضيين الأفغان رجالا ونساء!
شاهدت أنا وغيري من الإعلاميين رقاع الدعوة التي وجهتها طالبان إلى كل المسؤولين والعاملين معهم بضرورة العودة إلى مواقعهم مذيلة بعبارة: «لا تفزعوا نحتاج خبرتكم»!
الناظر إلى المشهد الأفغاني يرى أن مئات الآلاف يرغبون في مغادرة أفغانستان ويسابقون الوقت قبل انتهاء عمليات الإجلاء التي تتم عبر جسور جوية من مطار كابول بإشراف أميركي طالباني!
من المتوقع أن تسعى طالبان لتشكيل (حكومة جامعة من الأطياف الأفغانية والعدد الأكبر منها سيكون للبشتون)!
ومع الأيام والأسابيع والشهور القادمة سنعرف معنى التقهقر والتراجع وسيفهم العالم لم كان الانسحاب الأميركي!
٭ ومضة: من يتابع الإعلام الأميركي يجد أن وسائل الإعلام الأميركية تحاول تغيير صورة النمط الأفغاني الطالباني بعد عقدين من الزمان على سقوطهم الأول عام 2001 وعودتهم للحكم عام 2021!
طالبان اليوم ليست من هدمت التماثيل والمعابد البوذية أو حاربت المرأة!
اليوم طالبان تحاول أن تزيح من المشهد كل طرف لأنها مرتبطة بمعاهدات دولية أجريت عبر الوسيط القطري في العاصمة الدوحة، وستكون هناك قوانين جديدة عبر (طالبان غير المؤذية).
اليوم طالبان تعلن عبر تصريحات ووعود من كبار قادة الطالبان أنه لا عودة للإرهاب داخل أفغانستان ووعدت أيضا باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية وستسعى جاهدة لتشكيل حكومة تبعد عن كل أشكال الانتقام وشعارها العفو وتأمل الأمن والاستقرار والسلام لأفغانستان الجديدة.
عزيزي القارئ الكريم: لنتذكر أن الديموقراطية تقول فيها ما شئت وتفعل ما تؤمر بها.. أليس كذلك؟
٭ آخر الكلام: هناك وعود أكيدة بأن الحركة لن تمكن أحدا من استخدام أراضي أفغانستان ضد أحد!
واضح أن كل القادة يؤكدون على أمر قضية الإصرار على تنفيذ الوعود وإحكام التصرفات وألا يكون للإرهاب موطئ قدم في كل أرجاء أفغانستان!
يريدون اليوم أن تبحر سفينة أفغانستان في هذه الظروف والعواصف، فهل تغرق بتمرد من عليها؟
٭ زبدة الحچي: إلى كل قارئ لهذا المقال أينما كان لتعلم أن حالة (الرعب) التي رأيتها في أجهزة التلفاز عبر المحطات الفضائية والتلفازية جعلت آلاف الأفغان ودفعتهم إلى سلك طريق السفر للخارج أملا في وجود فرصة للنجاة من جحيم سقوط البلاد مجددا بقبضة الطالبان، وقد هالنا منظر آلاف الأسر والأفراد وهم في حالة ذعر وهم في طوابير ينتظرون بالأيام وسط حر شديد وقلة غذاء ودواء لاستكمال طلبات السفر على أي طيران يقبل ترحيلهم، واضح خوفهم من الطالبان ويدفعون ما يحملون من نقود لضمان سفرهم إلى الخارج لأنهم بالأساس في حالة خوف من الفوضى والتصفية بعد اكتمال الانسحاب الأميركي والذي انتهى يوم 31 أغسطس المنصرم!
بالأمس قرأت كتاب عبدالسلام ضعيف الوزير السابق لطالبان وسفيرها لدى باكستان الذي قضى أربع سنوات في معتقل غوانتانامو، اسم الكتاب «حياتي مع طالبان» وأعتقد أن من الضرورة قراءته الآن حتى تعرف تفكير طالبان وأيضا تركيبة المجتمع الأفغاني القروي!
السؤال: هل سيشهد العالم طالبان جديدة؟
ما مصير كل هؤلاء الآلاف الذين تم ترحيلهم إلى جهات مختلفة؟
وما مصير من تبقى منهم في مطار كابول؟ وبعضهم يتوسل «انهم سيقتلوننا»!
انهيار الحكومة الأفغانية السابقة والانسحاب الأميركي وسيطرة الطالبان تجعل العالم كله يرقب الطالبان وهل ستفي بعهودها التي قطعتها على نفسها في الدوحة؟ أم تفاجئ الطالب انالعالم بأن لها أنيابا!
الحكومة الأفغانية المرتقبة ستجيب عن كل هذه الأسئلة لأن طالبان اليوم أكثر نضجا من الناحية السياسية والأكيد أنها راقبت واستفادت من تجارب إيران وكوريا الشمالية والروهنيجا، فهل نرى أفغانستان جديدة في حكومة مدنية ورئيس منتخب ودستور، وتبقى انسحابات الجيوش لغزاً!
٭ مشاركة عزاء ومواساةنعزي أسرة الدبوس الكريمة بوفاة فقيدتهم المغفور لها بإذن الله تعالى العمة مضاوي العبدالله الجاسم الدبوس، طيب الله ثراها ومثواها ووسّع مدخلها وأكرم نزلها وجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة.
تغمد الله الفقيدة بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
في أمان الله..