الحرب الأفغانية ـ الأميركية تعد الحرب الأطول من حيث المدة الزمنية والأكثر كلفة مادية التي قامت بها الولايات المتحدة خارج أراضيها، إذ استمرت من عام 2001 إلى 2021، خرج بعدها الأميركان تاركين وراءهم بعض عتادهم العسكري والكثير من حلفائهم المحليين وبقايا من التنظيم الإرهابي (القاعدة) الذي بدأت الحرب لإزالته من أفغانستان.
مشهد الانسحاب السريع والفوضوي كان مخيفا، فالدولة الأقوى في العالم لم تستطع التنبؤ بموعد استيلاء تنظيم عدد مقاتليه بعشرات الآلاف على العاصمة كابول التي تحتلها، بل ولم تستطع تنظيم انسحاب مشرف لقواتها وحلفائهم.
مما جعل الكثيرون يتساءلون عن مدى القدرة الأميركية على التحليل الدقيق لحالة حلفائهم والقوى المناوئة لهم في عدد من الأقاليم، ناهيك عن الالتزام الأميركي بأمن هؤلاء الحلفاء.
من الواضح أن الولايات المتحدة أصبحت تتبنى سياسة عدم الانخراط المباشر بضمان الأمن العالمي لأسباب عديدة منها اقتصادي وآخر إستراتيجي، فمن ناحية اقتصادية يتفق بعض الجمهوريين من أصحاب «أميركا أولا» مع بعض الديموقراطيين من دعاة البناء والتنمية داخل الولايات المتحدة، واللذين يحبذان عدم التورط بعلاقات استراتيجية مكلفة مادية في مناطق عديدة من العالم.
أما من الناحية الاستراتيجية فهناك تبدل في الرؤية الأميركية للمخاطر الأمنية العالمية، فمنذ استراتيجية الأمن الوطني في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والتي وضعت روسيا والصين على قائمة التهديدات المحتملة مما جعله يتبنى تغيرات جذرية لتمركز قواته لمواجهة تلك التهديدات القادمة من الشرق، وصولا إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي وضع الصين القوة العالمية الناشئة نصب عينيه ومواجهتها اقتصاديا مع التراجع عن ضمان الأمن في مناطق عديدة من العالم، ومنها الشرق الأوسط وأفغانستان، والبدء باتخاذ الانسحاب أو التقليل من الوجود العسكري فيها.
ختاما، عادة يتغير ميزان القوى العالمي سريعا بعد الحروب الكبرى كالحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن أيضا يمكنه التبدل بهدوء نتيجة التطورات العسكرية والاقتصادية المتراكمة كما كانت الحالة في أواخر الحرب الباردة التي انتهت في بروز الولايات المتحدة الأميركية كدول عظمي وحيدة (superpower) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
الوضع الدولي الحالي كما يؤكد الكثير من المختصين بأن العالم يتجه من نظام أحادي القوى ـ القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب (أميركا ـ روسيا ـ الصين)، وبالتالي ستتغير التحالفات ومعها الترتيبات الأمنية الإقليمية والتي قد تصبح اكثر خطورة في اغلب الأقاليم حول العالم.
٭ الخلاصة: أفضل إستراتيجية يمكن أن يتبعه حلفاء الولايات المتحدة الأميركية حاليا وسط التغير في السياسة الخارجية الأميركية، والتغيرات الحاصلة في ميزان القوى العالمي، هو سياسة «التحوط الاستراتيجي»، والتي تعتمد على موازنة التهديدات الإقليمية عن طريق الانخراط الديبلوماسي والمشاركة الاقتصادية مع القوى المهددة إقليميا مع الاحتفاظ بعلاقة استراتيجية مع القوة العالمية (الولايات المتحدة).