- حالة من القناعة تسود الأوساط الاجتماعية بالبلاد.. في ظل التحسُّن الملموس بمواجهة تداعيات «كورونا» الصحية والاقتصادية
من منطلق اهتمامها برصد الواقع الاقتصادي في الكويت، تصدر شركة «آراء للبحوث والاستشارات» مؤشرا شهريا لثقة المستهلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية شركة «لكزس»، حيث يعتبر مؤشر «ثقة المستهلك» المؤشر الوحيد الذي يقيس العوامل النفسية للمستهلك، مرتكزا على آراء الناس وتصوراتهم عن الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وتوقعاتهم لأوضاعهم المالية. ويرتكز المؤشر على بحث أجري على عينة مؤلفة من 500 شخص، موزعة على المواطنين والمقيمين العرب في مختلف المحافظات، حيث يتم إجراؤه بواسطة الهاتف من خلال اتصالات عشوائية، وتمت مراعاة أن تكون العينة مماثلة للتركيبة السكانية في الكويت. وتستخلص نتائج كل مؤشر من المؤشرات الست بالاعتماد على إجابات أفراد العينة التي يحددها الاستبيان بـ «إيجابي» أو «سلبي» أو «حيادي»، ويتم تحديد نتائج المؤشرات في الشهر الأساس كمقياس للحالة النفسية للمستهلكين في الكويت، وهي تساوي 100 نقطة، وتكون هذه النقطة (الرقم 100) الحد الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم لدى المستهلكين.
أصدرت شركة آراء للبحوث والاستشارات التسويقية مؤشرها لثقة المستهلك في الكويت لشهر أغسطس 2021 بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية «لكزس»، حيث سجل المؤشر العام لثقة المستهلك معدلا بلغ 103 نقاط معززا رصيده الشهري السابق بنقطتين، وبذلك استطاع هذا المعدل احتلال أعلى المراتب منذ ما يقارب ثلاث سنوات. وقد عكست مكونات البحث قناعاتها بمدى تحسن الأوضاع بشكل دقيق وتدريجي وواقعي، حيث ان القناعات المنتشرة في الأوساط الاجتماعية جسدت التحسن الملموس في مواجهة الجائحة وتداعياتها متلازمة بارتفاع أسعار النفط، وصلابة الأوضاع المالية والمصرفية فضلا عن ملاءة الصناديق السيادية. ويأتي ارتفاع ثقة المستهلكين التدريجي على امتداد الأشهر السابقة مناسبا ومنسجما مع مسار الحد من الجائحة من جهة والانفتاح الاقتصادي والتجاري المدروس من جهة أخرى، واللافت في هذا المجال مدى نجاح صناديق الاستثمار، حيث رفعت من مستوى أدائها وحققت مكاسب تجاوزت الـ 25% خلال يوليو بالتزامن مع النجاحات غير المسبوقة لبورصة الكويت منذ بداية العام. مع الإشارة إلى مساهمة نمو حجم الائتمان المصرفي في ورشة التعافي المالية والاقتصادية، حيث بلغت القروض المصرفية للمودعين والعملاء ما قيمته 56.3 مليار دينار. هذه الإيجابية وغيرها من المستجدات أوجدت مناخات لمواجهة عجز الموازنة للسنة المالية 2020-2021 التي واجهت انخفاض اسعار النفط وتقليصا حادا واغلاقا تاما احيانا للحركة التجارية ولبعض القطاعات الاقتصادية خلال انتشار جائحة كورونا وما فرضته من إنفاقات استثنائية.
تراجع الثقة بالعاصمة
استقر مؤشر آراء للوضع الاقتصادي الحالي على معدل 91 نقطة، مضيفا إلى رصيده الشهري السابق 3 نقاط، محتلا بذلك أفضل المستويات منذ 6 أشهر.
ومن جهة أخرى، تراجع خمس معدلات من أصل 6 في أوساط مستطلعي العاصمة. هذه النتائج تأخذ بعدا إضافيا نظرا لدور ولأهمية العاصمة على كافة المستويات. لذا، لابد من متابعة معطيات الدراسات الشهرية المقبلة لاستنتاج أسباب تراجع الثقة، لعله عفوي ناتجا عن طموحات المستطلعين التي تتسابق مع الوقائع الملموسة.
ان الارتفاع التدريجي لمعدلات الثقة بالوضع الاقتصادي الحالي لم يأت من الفراغ بل على قواعد أساسية لعل هذه بعض عناوينها:
مسار بورصة الكويت التي حققت خلال هذه السنة إنجازات عديدة على مستويات الأداء والتنظيم والتطوير، كما على صعيد تحقيق مكاسب مالية غير مسبوقة رفعت من رصيدها على المستوى الوطني والخارجي. إذا كانت هذه المكاسب نتجت على قاعدة العافية الاقتصادية والإنتاج التجاري، فإن البورصة تتحول بذلك إلى أداة مهمة بمساهمتها لتطوير الانتعاش الاقتصادي.
وقد ارتفعت أسعار النفط بالرغم من مواجهة عودة انتشار الجائحة في بعض البلدان، كما عادت العافية إلى القطاع العقاري حيث ارتفع متوسط معدل العوائد إلى حدود 7%، وذلك فضلا عن انتعاش قطاع الإنشاءات وعودة العافية إلى الحركة التجارية. هذه العوامل الإيجابية وغيرها شكلت القاعدة الصلبة لارتفاع الثقة بالأوضاع الاقتصادية الحالية، وضمن هذه الأجواء المواتية رفع الشباب 18 ـ 35 سنة ثقتهم بالوضع الحالي مانحين هذا المعدل 101 نقطة بإضافة 9 نقاط، أما على صعيد المناطق فقد تراجع معدل العاصمة لمؤشر الوضع الاقتصادي 20 نقطة ومحافظة حولي 5 نقاط.
تحفيز المواطنين للعمل في القطاع الخاص
قفز معدل مؤشر فرص العمل المتوافرة في السوق حاليا إلى 152 نقطة مضيفا إلى رصيده الشهري 20 نقطة. متجاوزا معدل شهر أغسطس 2020 بـ 37 نقطة. يعتبر هذا المستوى من أعلى مستوياته منذ سنوات. إن ارتفاع المعدل لا تنحصر أهميته في مجال سوق العمل وقانون العرض والطلب على العمل فحسب، بل يعطي صورة واقعية ومشرقة لنسبة تعافي الأوضاع الاقتصادية والمالية وآفاق تطورها اللاحق. ومع ذلك وبتسارع دوران سوق العمل لابد من التركيز على جملة من القضايا المرتبطة عضويا في هذا الحقل: تفعيل حركة تكويت القوى العاملة في القطاع الخاص والقطاعات المشتركة، تخفيف حجم العمالة في القطاع الحكومي لتخفيض النفقات الباهظة التي تقارب نسبة 71% من النفقات الحكومية، وتشجيع المواطنين وتحفيزهم للعمل في القطاع الخاص، وإعادة تطوير وتنظيم القوانين المعمول بها في أوساط العمالة الوافدة وذلك لخدمة تأمين العمالة التي تلبي حاجات الاقتصاد الوطني من جهة، وتضمن رفع مستوى وحجم الإنتاجية من جهة أخرى.
انتعاش القروض يحفز مستويات الاستهلاك
سجل مؤشر شراء المنتجات المعمرة 102 نقطة بإضافة خمس نقاط على رصيده الشهري السابق ومتخلفا ثلاث نقاط على أساس سنوي، ويبدو ان مستوى الاستهلاك استمد قوته من مصادر التمويل الإضافي، حيث ارتفاع مستوى الإنفاق في النصف الأول من السنة الحالية من قبل المواطنين والمقيمين وقارب 15.6 مليار دينار.
وبالعودة إلى الوقائع يتبين أن التسهيلات المصرفية الاستهلاكية تجاوزت مليار دينار خلال الستة الأشهر الأولى، وأضيفت إليها ما قيمته 566 مليون دينار قروضا لبعض السلع الاستهلاكية والمنتجات المعمرة. هذه التسهيلات المالية تهدف إلى رفع مستوى الاستهلاك الذي يعبر عن تعافي الاقتصاد والتجارة من جهة كما يشكل عاملا إضافيا يسهم في زيادة الطلب على الاستهلاك ويعزز الإنتاج والتجارة مجددا ويرفع من قيمة الدخل الوطني.
تفاوت مستويات الرضا عن المداخيل الحالية
المعطيات العامة للبحث أشارت إلى استقرار معدل الدخل الفردي الشهري الحالي خلال شهر أغسطس عند المستوى الذي سجل نهاية شهر يوليو المنصرم والبالغ 85 نقطة. وبتراجع سبع نقاط مقارنة بأغسطس 2020. ان استقرار هذا المعدل يجب ألا يغيب المستويات المتنوعة لثقة ورضا مختلف مكونات البحث، التي وصلت إلى تباين واضح بينها. هذا التباين يعود إلى جملة من العوامل ومنها:
1 ـ طبيعة العمل في القطاع الحكومي أم في المجال النفطي أم في القطاع الخاص.
فضلا عن التباين بين المواطنين الذين يعمل معظمهم في القطاع الحكومي وبين العمالة الوافدة الموزعة على القطاعات الاقتصادية.
2 ـ التنوع الواسع للوظائف والمهن والكفاءات المهنية والعلمية التي من جهة تلبي حاجات سوق العمل، وتحدد من جهة أخرى مستويات الرواتب والأجور. هذا التفاوت في مستوى الرضا على المداخيل الفردية الحالية ناتج بالدرجة الأولى من طبيعة المرحلة الانتقالية التي تتجه للمزيد من التعافي الاقتصادي، والذي يحتاج إلى المزيد من الوقت ليؤثر إيجابا على المداخيل كالرواتب والأجور على قاعدة حركة سوق العمل ومبدأ العرض والطلب. كما تتأثر في طبيعة القطاعات والمهن التي تعيد انطلاقتها للتعافي.