التاريخ يقول إن أول وصول مسجل للسفن الأوروبية إلى الخليج العربي كان عن طريق البرتغاليين عام 1507م، وصلوا بسبع سفن بكامل معداتها من مدافع وأسلحة الحرب المتطورة، وخاضوا المعارك البحرية والبرية، ضد مملكة نادراً ما يُذكر اسمها، رغم إنجازاتها الاقتصادية العظيمة وهي (مملكة هرمز) العربية، التي جاء وصفها في الوثائق البريطانية بأنها مركز تجاري عالمي، تفد إليه السفن من كل حدب وصوب، ويقوم أهلها باستيراد البضائع ثم يعيدوا تصديرها لأوروبا عن طريق البصرة، أو إلى أفريقيا عن طريق البحر، وكانت من شدة الرخاء الاقتصادي فيها كل طرقها معبدة إما بالسجاد أو الحصير، وكان مركزها جزيرة هرمز وسيطرت على أغلب المناطق المطلة على الخليج من الجانبين الشرقي والغربي، ومن عمان لغاية البصرة مروراً بالقطيف والكويت لمدة تجاوزت 200 عام قبل سقوطها، وكانت تحكمها عائلة من أصول يمنية، وأغلب مواطنيها من العرب وبعض الفرس، ولكن للأسف لم تحظ هذه المملكة بالدراسات التاريخية، ويكاد أغلب من تحدث عنها هم المستكشفون الغربيون والروس وقليل من الرحالة كابن بطوطة ومارك بولو.
كانت التحديات التي تواجهها هذه المملكة محدودة جدا، قليل من الغارات التترية وبعض المناوشات المحلية المحدودة، وهذا جعل سكانها والحكام المتعاقبين لا يفكرون في تطوير حمايتهم العسكرية، وكان مجمل تفكيرهم مُنصب على الناحية المالية وتطوير النقل البحري بين دول العالم حينها، لدرجة أنه عندما جاءت السبع سفن البرتغالية استطاع المقاتلون السيطرة عليها واختلالها في غضون أيام، رغم أنه كان في مرفأ هرمز وحده عدد 400 سفينة، لكنها كانت مصممة للنقل التجاري وليس الحرب، وإن كان من الممكن تحويلها لسفن قتالية بسرعة لو كانت المملكة مستعدة، ولكن للأسف لم يحدث هذا، وكان لدى المملكة البحرية ما يقارب الـ 30 ألف مقاتل بري لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا أمام رشقات المدافع التي كانت ترميها السفن البرتغالية، وكانت الخسارة محققة، لمجتمع لم يستعد عسكريا ونفسيا لمواجهة حرب مع عدو يبعد آلاف الأميال عن مملكتهم.
التاريخ يخبرنا عن أمثلة عديدة لسقوط دول تحت الاحتلال رغم قوتها الاقتصادية وإمكاناتها العديدة، ولكن لم تكن مستعدة لهذه التحديات، وما ذكرت مملكة هرمز إلا لقربها الجغرافي والديموغرافي لدول المنطقة، فنسبة كبيرة من عوائل وقبائل ساحل الخليج هم امتداد لسكان هذه المملكة، بل إن هذه الحادثة بالذات أدت إلى انتقال قبائل وأفخاذ كاملة من مناطقها الأصلية إلى مناطق أخرى.
لكل زمان طريقته في الاستعمار والاستيلاء على مقدرات الدول الأخرى، فإن كانت السفن الحربية الضخمة هي الطريقة في القرن السادس عشر للاستعمار، فإن طريقة الاستيلاء في القرن الحالي تكون عن طريق استعمار العقول، إن كان المدافع هي الطريقة الحديثة في ذاك الزمان، فإن الأفكار التي تنقل بوسائل الإعلام الحديثة هي الطريقة الحديثة للعصر الحالي، وإن كان الرخاء الاقتصادي هو السبب لالتهاء مملكة هرمز عن الاستعداد للمستقبل، فهذا العامل ما زال يتكرر، وإن كانت الثغرة التي دخل منها البرتغاليون هي عدم الاستعداد، وقد يكون التباعد بين الحكومات والشعوب هي ثغرة الوقت الحالي، لكن نتميز عنهم بأنه ما زال لدينا الوقت لإنشاء مراكز الدراسات الحقيقية المتخصصة في الإستراتيجيات المستقبلية المستقلة عن أي تدخلات حكومية في التعيينات والترقيات، لتقوم بتحديد المخاطر والتحديات المستقبلية، ونقوم بالاستعداد لها.