بعد أن تكلمت في أكثر من 15 مقالا في الفترة السابقة عن مواضيع مختلفة متعلقة بشكل مباشر بجائحة كورونا، سأتطرق بالمقالات القادمة بمواضيع متعلقة بالإدارة الصحية، بما يثري حصيلة القارئ الكريم بالمعلومات الهادفة والتحاليل التي أسأل الله أن تكون نافعة ومفيدة لكاتبها وقارئها.
الهدف من المقالات القادمة هو تسليط الضوء والتوعية على بعض القضايا الصحية المتعلقة بالشأن العام، وإبداء الرأي بهدف الإصلاح، مع الحرص على التفاعل مع الأحداث المستجدة، ووضع النقاط على الحروف على مواطن الخلل، والاستشهاد ببعض الأمثلة المحلية لاستنباط الحلول، والمضي قدما بتطبيقها المأمول، على أرض الواقع من كل مسؤول.
نعود إلى موضع مقالة اليوم، والمتعلقة بالإدارة، وسنتطرق إن كانت الوزارة، أو القوانين والنظم المصاغة، أو من يملك اتخاذ القرار، هو المسؤول عن نجاح أو تخلف الإدارة.
لا يخفى على أحد أنه من خلال الإدارة الرشيدة، تنجح الحكومات، وتتفوق المنظمات، وتتقدم المجتمعات، وتتنافس المؤسسات، وتتفاضل الشركات، بل حتى على مستوى الأفراد تتنوع الإنجازات، فهي مطلب للجميع.
فهل التعثر ببعض الملفات الإدارية بالدولة بشكل عام وبالقطاع الصحي بشكل خاص هي أزمة نفوس أم أزمة نصوص؟
الجواب من وجهة نظري بشكل مباشر هي أزمة نفوس ونصوص، بل الموضوع أعمق من ذلك. فأزمة النفوس تؤدي إلى أزمة النصوص والعكس صحيح، وكلاهما له دور بتأزيم الإدارة أو بانفراجها.
نعم تميل كفة النفوس ولها تأثير أكبر على الإدارة من النصوص، لأن النفوس هي من تصوغ النصوص.
فالنفوس يقصد بهم المشرعون، وأصحاب القرار والمنفذين، والعاملين والمستفيدين، هم من يضعون الأنظمة والدساتير، والقرارات والقوانين، واللوائح والتعاميم، وهم من يقومون على تطبيقها في كل حين. ولكن في الوقت نفسه النصوص قد تقيد النفوس.
فإن جاءت نفس صالحة وفي مجالها متمكنة وقادرة، وللإنجاز مستعدة ومبادرة، في بيئة تغيب عنها المؤسسية، وتتفشى فيها البيروقراطية، ولا تتضح فيها الرؤية المستقبلية، وتكثر فيها النصوص التقييدية، وتندر فيها الكفاءة العلمية والعملية، وتضعف فيها المساءلة القانونية، وتترهل بها الأجهزة الإدارية، فحتما هذه البيئة ستساهم بعرقلة تطور الإدارة الصحية.
فما الحل لتطوير الإدارة الصحية، وإصلاح النفوس البشرية، والقوانين والأنظمة المحلية، مما يعتريها من النقص والخلل والقصور من دون الدخول بالأمور السياسية.
قد لا يسمح هذا المقال بالإجابة على هذا السؤال بإسهاب، فإن كان في العمر بقية ممكن أن نفرد مقالا لذلك إن شاء الله، ولكن باختصار أقول، إن تصدر المصلحين والمخلصين، من الكفاءات من أهل هذا البلد وهم كثيرون، ووضع الأشخاص المناسبين، من يتحلون بالأخلاق ومخافة رب العالمين، من همهم معالجة ملفات الفساد ومحاسبة من يتصفون بالتقصير، بشكل مستمر من أجل البناء والتعمير، فسنشهد بإذن الله على مستوى الإدارة التطوير، وعلى مستوى الخدمات التحسين.
في الختام أقول إن بداية كل شر وفساد وخلل هو ضعف الوازع الديني والأخلاقي والإنساني وغياب من يرعى الفضيلة وينكر الفساد والرذيلة خاصة من أهل الحل والعقد، ولكن في نفس الوقت الإصلاح ليس مقصورا على أهل الحل والعقد، فلجميع أفراد المجتمع دور بذلك كل في مجاله.
أيضا قد يظن البعض أن المهارات الإدارية مطلوبة لمن تقلد منصب رفيع، ولكن بالواقع يحتاجها الجميع، لإدارة وقته ومسؤولياته وتعاملاته سواء مع زملائه أو مرؤوسيه، وكذلك مع من تحت مسؤوليته.
في الختام، أسأل الله العظيم أن يصلح حالنا جميعا، وأن يشرح صدورنا للحق، وأن يستعملنا فيما يرضيه عنا، وأن يأخذ بنواصينا إليه، وأن يحسن عاقبتنا في الدارين، هو ولي ذلك والقادر عليه.