- النشمي: دور الدعاة لم ينته بعد والحاجة أكبر للحذر والوقاية والتواصل مع الجهات المعنية
- العصيمي: ما حدث يبعث على عدم التعويل على الإمكانات البشرية والتعلق بمن بيده الكون
- الشطي: التأكيد على سنة الابتلاء في الأولين والآخرين والتصفية والصبر والشكر لله عز وجل
أبرز تفشي وباء كورونا دور العلماء في مواجهة الأزمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فما الدور المطلوب من علماء الشريعة والدعاة بعد انجلاء الغمة وعودة الحياة الطبيعية الى البلاد بفضل الله تعالى ومنّته؟
في البداية، يحدثنا العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.عجيل النشمي فيقول: وباء كورونا استنفر دول العالم بأسرها، بعلمائها ومعاملها الصحية والتعليمية والاجتماعية، والعالم الاسلامي اهتم بهذا الوباء كغيره من الدول، ونحن هنا في الكويت باعتبارنا احدى دول العالم الاسلامي استنفرت الدولة كل الجهات الصحية والتعليمية والاجتماعية وسائر وزارات الدولة المعنية، واخصها وزارة الاوقاف، وكان محور نشاط الدولة يدور حول حفظ صحة المواطنين والمقيمين.
وتابع: وظهر واضحا الى جانب اهتمام الناس بصحتهم اهتمامهم بمعرفة الاحكام الشرعية التي استلزمتها التعليمات الصحية، فكان لابد من معرفة احكام مهمة وغريبة وغير معهودة لدى الناس، خاصة في الأيام الأولى لانتشار الوباء، مثل تعطيل صلاة الجمعة والجماعة ووقتها كانت الأسئلة في رمضان حول صلاة التراويح والقيام، فكانت الفتاوى في جواز تعليقها، وجاءت فترة عصيبة على الناس حين كان المنع كليا عن الجمعة وصلاة الجماعة، بل وصل الأمر الى منع الصلاة في الحرمين الشريفين، ولأول مرة يسمع الناس بعد الأذان «صلوا في بيوتكم»، او «الصلاة في الرحال»، وكانت هذه الاحكام تحتاج الى اجتهاد فردي وجماعي، فوقع عبء كبير على اهل العلم من الفقهاء والدعاة في كل بلد، وكان موقف مشايخ الكويت مواكبا لهذه المستجدات، وكانت اجتهاداته قد سبقت العديد من الدول، ولم يقفوا عند الفتاوى الفردية وفتاوى هيئة الفتوى بوزارة الاوقاف، بل عقدت الندوات الشرعية والصحية، وعقدت كلية الشريعة مؤتمرا علميا كبيرا بهذا الخصوص، وصدرت الفتاوى المهمة في شأن العديد من القضايا، وفي الجانب الآخر كان لاجتهادات المجامع الفقهية اهمية كبيرة، فكانت محل التقدير والاتباع، والملفت هنا ان الاحكام والفتاوى التي صدرت من جهات ودول متعددة كانت متوافقة ومتناسقة ولم نلحظ فيها الاختلاف والتعارض والحمد لله، ولم تكن المسألة احكاما ثابتة لكل القضايا، ولكن صعوبتها في تتبعها وتغير احكامها تبعا لتغير التوجيهات الصحية في البلاد، فكلما حدث تغير وصدرت احصاءات كانت الاحكام الشرعية تتسع لاستيعاب كل المستجدات في التوسعة او التضييق، فكانت فتاوى المشايخ وهيئة الفتوى عونا اساسيا ومهما لتجاوب الناس مع المتطلبات الصحية، حتى وصلنا والحمد لله الى قرب رفع احكام التباعد في الصلوات.
وأضاف د.النشمي: اعتقد ان دور الدعاة والفقهاء لم ينته بعد كما ان دور الاطباء والجهات الصحية والاجتماعية والنفسية لم ينته، بل ربما الحاجة اكبر للحذر والوقاية من تجدد دخول هذا الوباء بتحوراته التي بدأت تظهر في بعض الدول، كما ان من الاهمية الكبيرة متابعة الآثار التي خلفها وباء كورونا واهمية الآثار النفسية والتعليمية والاقتصادية، فدور الدعاة والفقهاء يجب ان يتواصل مع دور الجهات المعنية بهذه الآثار البليغة على المواطنين والمقيمين، والدور الشرعي في تطمين الناس ايمانيا وتثبيتهم وتقوية توجههم لله تعالى مع الاخذ بأسباب الوقاية والسلامة الصحية والنفسية والاجتماعية، وهذا يحتاج الى تنسيق الجهود من جديد بين وزارة الأوقاف باعتبارها اليوم جهازا إعلاميا وتوعويا مهما لا تستغني عنه الجهات المعنية في الدولة من وزارتي الصحة والاعلام وغيرهما.
اغتنام الوقت
من جهته، قال د.محمد ضاوي العصيمي: في ازمة كورونا كان للدعاة الى الله عز وجل والمصلحين تأثير في مواقع التواصل وعلى المنابر كان دورهم كبيرا جدا في تبصير الناس بأمر دينهم، سواء من خلال بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بأزمة كورونا او من خلال ربطهم بالجانب الايماني بالله عز وجل وماذا يجب ان يكون عليه المسلم، وهذا الدور يجب ألا يتوقف وانما واجبهم بعد انجلاء هذا الوباء وذهاب هذا الداء عدة امور منها تعليق القلوب بالله عز وجل والتعرف عليه سبحانه بأسمائه وصفاته، ولذلك وقف العالم كله مذهولا من هذا الوباء الذي حصل، وانقطعت اليوم الامكانات البشرية وبقي الأمر أولا وآخرا بيد الله عز وجل، وهذا يبعث في الانسان عدم التعويل على الامكانات البشرية والحسية والمادية والتعلق بمن بيده سبحانه تصريف الكون وتوجيهه حيث اراد.
وعن الأمر الثاني، أكد د.العصيمي وجوب مراجعة الناس لعلاقتهم بالله عز وجل من خلال فعل الواجبات وترك المحرمات، ونجد كثير من الناس زادهم هذا الوباء اقبالا وبعض الناس للأسف زادهم الوباء اعراضا وادبارا، وهؤلاء يصدق فيهم قول الله عز وجل (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون)، فبعض الناس لا يتأثر بما يحصل من هذه الأوبئة بل تزيدهم اعراضا وادبارا، والأمر الثالث وجود العبرة والعظة، وكان بعض السلف يقول: ومن اكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة اشياء: تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة، فيتذكر الانسان صغر هذه الدنيا وصغر حجمها وقلة قيمتها امام ما يرى الانسان فيما يحصل يمينا وشمالا، فعليه ان يأخذ العظة والعبرة من ذلك.
وأضاف: ايضا على الإنسان ان يغتنم وقته وعمره وحياته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمسا قبل خمس، وذكر منها صحتك قبل سقمك، فالإنسان الذي رزقه الله تعالى العافية والصحة عليه ان يستفيد من هذه العافية والصحة، فيغتنم ما يستطيع من الطاعات حتى اذا جاء زمن المرض والقعود والعجز كان عنده من العمل الصالح ما ينفعه يوم القيامة، وكذلك وجوب شكر الله على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، فإذا نظر الإنسان حوله شرقا وغربا رأى ذلك العوز والعجز في مقابل ما نعيش فيه في بلد تتوافر له فيها الامكانات الصحية وغيرها، وشكر الله عز وجل على هذه النعم سبب لدوامها (ولئن شكرتك لأزيدنكم)، وشكر الله يكون باللسان ويكون بالجوارح على الاستقامة على الطاعة وبالقلب بنسبه الفضل الى الله تعالى.
الصبر والتربية
بدوره، يوضح د.بسام الشطي دور العلماء بعد ان انقشعت الجائحة قائلا: بعد أن من الله علينا بانقشاع جائحة كورونا، فإن للعلماء دورا كبيرا، كما كان دورهم اثناء الجائحة من توعية الناس لأهمية حسن الاعتقاد والاتباع والتصفية والتربية والصبر والشكر لله عز وجل أن منّ علينا بالعودة لحياتنا الطبيعية والصلاة في المساجد والعبادة والعودة لحلقات القرآن وحلقات العلم والايمان بالقضاء والقدر، ومن واجبنا نحو من فقدناه بسبب كورونا ورعاية الأيتام والأرامل، مؤكدا على ضرورة الشكر لولاة امورنا الذين بذلوا ما في وسعهم من اجل راحتنا وسعادتنا ووقايتنا من الامراض وتحمل خسائر كثيرة بسبب تعطيل المؤسسات جبرا، كما ان من واجبنا شكر الصفوف الامامية الذين بذلوا جهودا مضنية وايضا العلماء ومؤسسات الافتاء في الدولة على ما قدموه من دور كبير في تثبيت الناس ونزع فتيل الأزمات وطمأنة الناس وتقديم الفتاوى التي واكبت الأزمة، والآن دورهم يستمر في التوعية والارشاد وذكر ما مر بنا للعبرة والاتعاظ والعمل على اصلاح النفس وتثبيتها على الصبر والتحمل والتأقلم مع الأزمات بمرونة وايمان والتحلي بالثقة بالنفس والإيمان بالقدر والتأكيد على سنّة الابتلاء من الأولين والآخرين، وتوضيح الخطاب الوعظي بيسر ووسطية مع بيان سنة وقدر الله والاستعداد للموت بالأعمال الصالحة.