تونس: يرى خبراء أن الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي عزز صلاحياته بموجب قرار رئاسي يسعى إلى إرساء نظام سياسي جديد، ما يثير قلقا لدى معارضيه والمجتمع المدني.
ماذا تعني التدابير التي أقرها سعيّد؟
سيصدر الرئيس سعيّد بموجب هذه الصلاحيات، التشريعات في أوامر رئاسية، الأمر الذي كان من صلاحيات البرلمان المجمدة أعماله منذ 25 يوليو.
ونشرت الإجراءات الجديدة في الجريدة الرسمية، وهي «تدابير استثنائية» لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية وتتألف من 23 فصلا.
وجاء فيها «يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية».
كما ورد في فصل آخر «يمارس الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة» و«تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يعينهم رئيس الجمهورية».
والسلطة التنفيذية، بموجب دستور 2014، في يد الحكومة التي تكون مسؤولة أمام البرلمان، لكنها، بموجب التدابير، ستكون مسؤولة أمام رئيس الجمهورية مستقبلا.
ويرى أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار أن ما قام به سعيّد «أقرب إلى تنظيم مؤقت للسلطة وهذا يعني الاستعداد للانتقال إلى دستور أو نظام دستوري آخر».
ويضيف لـ «فرانس برس»: «لم يعد هناك رئيس حكومة. أصبح هناك رئيس وزراء وتم إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين وهذا ليس استثناء».
ويؤكد صرصار أنه «أصبح هناك دستور صغير»، معتبرا أنه «تقريبا حل للبرلمان مع تأجيل التنفيذ ولم يتم استعمال كلمة حل».
بينما يعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن الرئيس «هو أكثر رجل واضح في أهدافه». ويقول لـ «فرانس برس»: «جاء لتغيير ليس فقط النظام الرئاسي، وإنما أيضا طبيعة العلاقات بين رأس السلطة وعامة الشعب». وتمثل الأحزاب والمنظمات في تقدير سعيد «عنصرا معرقلا» لمشروعه.
هل يمثل ذلك تغييرا جذريا نحو نظام سياسي جديد للبلاد؟
يمنح دستور 2014 الذي تم إقراره إثر ثورة 2011 صلاحيات أكثر للبرلمان على حساب باقي السلطات، ولكن ساهم ذلك في ظهور نزاعات وخلافات شديدة بين السلطات حول هذه الصلاحيات، ما عرقل عمل الدولة، لاسيما أن الانتخابات النيابية أفرزت في العام 2019 برلمانا مشتتا ومنقسما واجه صعوبات في الوصول إلى توافقات في خصوص العديد من القوانين. وعلل مراقبون سبب ذلك القانون الانتخابي الذي يسعى سعيّد إلى تغييره.
ويوضح الجورشي «لا شك أن هناك العديد من الإخلالات داخل دستور 2014، خصوصا فيما يتعلق بالنظام البرلماني»، لكن «كان بإمكان رئيس الجمهورية توفير أرضية لتعديل الدستور وإشراك المجتمع المدني والأحزاب»، لكي «لا يصبح منصب رئيس الجمهورية المنصب الذي تدور حوله الدولة».
ويقدر الباحث في العلوم السياسية فينسون جيسير «أن الأمر الرئاسي يشرع للنظام الرئاسي والحكم الفردي الذي انخرطت فيه تونس منذ تاريخ 25 يوليو».
كما يرى الباحث الفرنسي أن التدابير التي تم إقرارها «تهمش البرلمان والأحزاب السياسية والسلطة التنفيذية مسندة حصرا للرئيس ولحكومة في خدمة الرئيس».
هل هذه التدابير استثنائية؟
عنونت التدابير «بالاستثنائية» وأدخلت تغييرات على بابين مهمين في الدستور هما السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، كما نصت على إنشاء لجنة للنظر في مشاريع التعديلات القانونية بإشراف سعيد.
واعتبر الرئيس التونسي منتصف الشهر أن «الشعب سئم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولابد من إدخال تعديلات في إطار الدستور».
ويبين الجورشي في هذا السياق أن «جزءا هاما من مشروع سعيد بدأ يتبلور أكثر فأكثر وهو التوجه نحو نظام رئاسي».
بينما يؤكد جيسير أن التدابير «تبسط الطريق لنظام سياسي جديد».
ما ردود فعل منظمات المجتمع المدني والسياسيين على ذلك؟
ردا على القرارات، قال القيادي وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة محمد القوماني ان «وضع الرئيس في الحقيقة تنظيما مؤقتا للسلطات، هو عبارة عن دستور جديد وصغير، وبذلك ينتقل الرئيس من شبهة الانقلاب والخلاف حول خرق الدستور يوم 25 يوليو إلى الانقلاب السافر على دستور 2014».
وأكد القوماني لوكالة «فرانس برس» رفض حزبه القرارات الرئاسية، لأن الرئيس «يضع نفسه في موضع الحكم الفردي المطلق ويدفع بتونس إلى منطقة المخاطر العالية».
ويحظى سعيّد «بثقة كبيرة لدى منظمات المجتمع المدني»، حسب جيسير الذي يؤكد أن «الرئيس لديه دعم من جزء من النخبة ومن قوات الأمن، وهو رئيس قوي جدا».