كلنا يود أن يرضى عنه الناس ويكون محبوبا ومقبولا من الجميع، ولكن لا سبيل لذلك، فيبدو أن ذلك ضربا من ضروب المستحيل:
يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى الله إلا ما أرادا
ومن الحكم السائرة، قول حكيم العرب أكثم بن صيفي «رضا الناس غاية لا تدرك» وهذا المثل واقع ملموس، وحقيقة لا شك فيها، فلن يستطع أحد كسب رضا الناس كلهم مهما فعل، ومهما قدم لهم، حتى لو أعطيتهم ماء عيونك، فالناس بين حامد وذام منذ خلقت الدنيا، ولكي تسير في طريق السلامة عليك أن تسعى جاهدا لإرضاء ضميرك، وتكل الناس لخالقهم، ومن العجيب حقا أن بعض الناس يسعون سعيا حثيثا في رضا الناس أكثر من سعيهم في رضا الله تعالى، وهذه القسمة الظالمة والرأي الدبري، والرأي الأعوج: فرضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فلنترك ما لا يدرك لأجل مالا يترك، يقول الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله، في هذا المعنى: كلنا أشخاص عاديون في نظر من لا يعرفنا، وكلنا أشخاص مغرورون في نظر من يحسدنا، وكلنا أشخاص رائعون في نظر من يفهمنا، وكلنا أشخاص مميزون في نظر من يحبنا، وكلنا أشخاص سيئون في نظر من يحقد علينا، لكل شخص نظرته فلا تتعب نفسك لتحسن صورتك عند الآخرين، يكفيك رضا الله عنك، ومما أوصى به الإمام الشافعي رضي الله عنه صاحبه الربيع بن سليمان: يا ربيع، رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه فإنه لا سبيل إلى رضاهم، فلم نجعل الناس سببا في سعادتنا وتعاستنا؟ فهل من الحكمة أن أرضي الناس على حساب نفسي، ولنا بمن سبقنا العظة والحكمة، فالناس لم ترض على أنبياء الله الذين بعثوا لهدايتهم وتوجيههم لسبل الخير والرشاد، فحاربوهم ونابذوهم وقتلوا بعضهم.
حتى انتصر الحق على الباطل، فكيف لك أن تحوز رضاهم؟ فإن كنت تريد أن تعيش مرتاح البال فعليك بذات نفسك واترك الخلق للخالق فليس إلى السلامة من الناس سبيل، فلندعهم وما هم فيه، ولله در القائل:
ضحكت فقالوا ألا تحتشم
بكيت فقالوا ألا تبتسم
بسمت فقالوا يرائي بها
عبست فقالوا بدا ما كتم
صمت فقالوا كليل اللسان
نطقت فقالوا كثير الكلم
حلمت فقالوا صنيع الجبان
ولو كان مقتدرا لا نتقم
فأيقنت أني مها أرد
رضا الناس لابد أن أذم
وقد استفحل في مجتمعنا داء استرضاء الناس واستشرى حتى أصبح سمة بارزة، ووصل الأمر بهؤلاء الناس بتقديم تنازلات على حساب أنفسهم من أجل نيل رضاء هذا وذاك، سعيا وراء المصالح، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله على الناس» (رواه الترمذي) ..ودمتم سالمين.