قال تقرير «الشال» الأسبوعي، انه لا يجب الكتابة عما يفترض أنه من البديهيات، البعض تنبه لها مبكرا مثل النرويج، والبعض الآخر تنبه متأخرا مثل كل دول الخليج الأخرى، وحدها الكويت التي أصبحت الأكثر إدمانا في الاعتماد على النفط، وليس لديها حتى اللحظة رؤية إعادة تأهيل ملتزم بها لخفض تدريجي مبرمج لمستوى إدمانها.
النفط في علم المالية هو أصل، وبيعه لا يعتبر إيرادا وإنما استبدال أصل يتناقص وتتآكل أهميته بسبب التطور التكنولوجي وأضراره للبيئة بأصل نقدي، لا يحتسب إيرادا سوى ذلك الجزء ضمنه الذي يولد دخلا بديلا.
والتاريخ قاطع في تأكيد التذبذب الحاد بأسعاره الاسمية، أي غير الخاضعة للتعديل بخصم آثار التضخم أو تذبذب أسعار الصرف، والتاريخ يؤكد أن الدولة المنتجة للنفط مهما كان حجم إنتاجها، لا تستطيع التأثير جوهريا في حركة تلك الأسعار، فالأسعار محكومة بعوامل خارجية.
وما تحتاجه الكويت حاليا هو إصلاح أخطاء صنعتها إداراتها المتعاقبة، وحتى حين إعداد مشروع الموازنة العامة 2021 /2022 لا يبدو أنها تعي خطورة الوضع، لذلك عانت من أكبر عجوزات مالية في تاريخها، ولذا فهي تبدو عاجزة عن مواجهة شح السيولة، فتفقد تصنيفاتها السيادية باستمرار، ويدفع قطاعاها العام والخاص تكاليف غير مستحقة لذلك الإخفاق.
ويمكن التغاضي عن خطايا التاريخ، ليس لأنها لم تكن خطايا جسيمة، ولكن التبعات في المستقبل ستكون أكثر قسوة إن شغلتنا عن التركيز على رؤى وسياسات استباقية من أجل عبور آمن للمستقبل.
وإذا أعدنا النظر في المسار التاريخي لحركة أسعار النفط فسنلحظ أنه بعد كل هبوط للأسعار ودخولنا مأزق العجز المالي تتبع ذلك دورة رواج لتلك الأسعار تغطي خطايانا تلقائيا. وذلك المسار لن يتحقق في المستقبل، والضغوط على كل من الأسعار وحجم الإنتاج ستستمر متصلة في العقود الـ 3 المقبلة أو نحوها.
من جانب آخر، ستزداد الاحتياجات بما يتطلب ارتفاعا حتميا للنفقات العامة، وسوف يتناقص صافي إيراد بيع أصل النفط، سواء بزيادة تكاليف إنتاجه، أو بزيادة الاستهلاك الداخلي منه. لذلك يحتاج الأمر إلى إصلاح جراحي يخفض تدريجيا من الاعتماد على ما يسمى تجاوزا بإيراد وهو غير مستدام، والعمل الجاد على زيادة الإيراد المستدام المرتبط بنشاط اقتصادي منافس، وإدارة عامة تشتري المنصب بتعميق إدمان النفط، لن تكون راغبة أو قادرة على إنقاذ بلد، وبقدر صعوبة الأوضاع بقدر سهولتها إذا طالت الجراحة الإدارة العامة.