مع إغلاق صناديق الاقتراع أمس، تطوي ألمانيا صفحة المرأة الحديدة المستشارة انجيلا ميركل التي حكمت أقوى اقتصادات أوروبا على مدى 16 عاما. وسط تساؤلات حول ما اذا كانت ألمانيا ستصبح أقل استقرارا ما بعد ميركل، وفي أي وجهة ستذهب سياستها؟ وهل ينجح اليسار في الوصول إلى المستشارية على حساب المحافظين؟
ودعي الناخبون البالغ عددهم حوالي 60.4 مليونا للإدلاء بأصواتهم في انتخابات شهدت منافسة حامية بين الاشتراكيين ـ الديموقراطيين والمحافظين على خلافة ميركل.
وسجل الاشتراكيون الديموقراطيون بزعامة وزير المال الحالي أولاف شولتز ونائب ميركل، تقدما طفيفا بحصولهم على 25% من نوايا الأصوات مقابل 22 إلى 23% لمرشح المحافظين أرمين لاشيت، وهي نسبة متدنية تاريخيا، بحسب آخر استطلاعات الرأي.
وفي آخن اقترع لاشيت وقال لدى إدلائه بصوته «كل صوت مهم» لأنه يسهم في تحديد «توجه ألمانيا للسنوات المقبلة».
وتخلل التصويت خطأ فادح من قبل زعيم يمين الوسط، الذي يجهد لإبقاء المستشارية في معسكر المحافظين بزعامة حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي. ونسي حجب بطاقة التصويت عن الكاميرات كما هو منصوص عليه في قانون الانتخابات. وبالتالي، يمكن أن يتم إبطال تصويته.
وطوى لاشيت، بطاقته الانتخابية بالعكس حيث ظهرت العلامتان اللتان وضعهما على البطاقة والتقطتها كاميرات المصورين قبل إلقائه البطاقة في صندوق الانتخابات.
كما اتضح في الصور جزء من علامتي التصويت على بطاقة زوجته التي أدلت بصوتها بعد لاشيت بفترة وجيزة.
وفي أعقاب ظهور الصور، شهد موقع تويتر نقاشا حول ما إذا كانت الطريقة التي أدلى بها، صحيحة أم لا.
لكن مدير لجنة الانتخابات الاتحادية قال إن تصويت لاشيت لحزبه ليست أمرا مفاجئا «ولا يمكن اعتبار ذلك مؤثرا على الناخبين» لكنه أضاف أن قواعد الانتخاب واضحة وهي تنص على أن «اللجنة الانتخابية عليها أن ترفض الناخبين الذين يطوون بطاقتهم بشكل يظهر تصويتهم لأن ذلك يساعد في التأثير على ناخبين آخرين».
واقترع منافسه شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديموقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم، في بوتسدام القريبة من برلين، وهو اعتبر أن الأحوال الجوية الجيدة «مؤشر جيد» لوسط اليسار الذي يحقق منذ الصيف صعودا غير متوقع.
وأكد بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات بصحبة زوجته بريتا إرنست، وهي وزيرة التعليم المحلي بولاية براندنبورغ، دعوته للمواطنين، موضحا بقوله: «كي يمنحني المواطنات والمواطنون التفويض بأن أصير المستشار القادم لجمهورية ألمانيا الاتحادية».
وعزا رئيس اللجنة الانتخابية يورغ تيل التراجع في نسبة التصويت التي لم تتجاوز 37% حتى قبل اربع ساعات من اغلاق الصناديق الى ارتفاع نسبة المقترعين عبر البريد والذي لم يتم احتسابه في هذا الرقم. وصعب إقدام قسم كبير من الناخبين وبينهم ميركل نفسها على التصويت بالبريد، التكهن بالنتائج وبالتالي معرفة المستشار الجديد ومن سيحصل على الغالبية في البرلمان.
وفي مطلق الأحوال، سيترتب إجراء مفاوضات مطولة خلال الأشهر المقبلة لتشكيل الائتلاف الذي سيحكم البلاد، ولو أن ذلك يهدد بشل الاتحاد الأوروبي حتى الفصل الأول من العام 2022.
وقد تضطر ميركل التي حكمت البلاد مدى 16 عاما والتي قررت اعتزال الحياة السياسية، إلى البقاء في منصبها حتى نهاية العام لتصريف الأعمال.
وكان السؤال الذي سيطر على الحملة الانتخابية وحتى اغلاق الصناديق، هل ستكون شعبية المستشارة كافية لقطع الطريق على الحزب الاشتراكي الديموقراطي وايصال لاشيت الى السلطة؟
فبعدما راوح الحزب الاشتراكي لفترة طويلة في المرتبة الثالثة، حقق صعودا لم يكن متوقعا منذ منتصف أغسطس. ونجح الحزب وهو أحد أقدم الأحزاب في أوروبا، في مخالفة التكهنات التي كانت تتوقع له موتا بطيئا، فبالرغم من افتقار مرشحه، رئيس بلدية هامبورغ سابقا، إلى أي ميزة قيادية، إلا أنه قاد حملة لم تتخللها أي هفوة، ولم يتردد خلالها في طرح نفسه في موقع الوريث الحقيقي لميركل.
وإن كان رئيس «الاتحاد المسيحي» ورئيس حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا، أكبر الولايات الألمانية تعدادا، معروفا بأنه ينجح دائما في قلب الأمور لصالحه وفي التخلص من ألد أعدائه، إلا أن الأمر بدا بالغ الصعوبة هذه المرة على لاشيت الذي فرض ترشيحه في ختام صراع شديد مع حليفه زعيم حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ماركوس سودر، الأكثر شعبية منه.
غير أن المحافظين سعوا لتعبئة الناخبين المترددين بتلويحهم بقيام ائتلاف يساري.
أما الخضر، فمن المتوقع أن يحلوا في المرتبة الثالثة مع حصولهم على حوالي 17% من نوايا الأصوات، ما سيشكل نتيجة تاريخية لدعاة حماية البيئة الذين لم يسبق أن تخطوا عتبة 10% سوى عام 2009، لكن طعمها سيكون مريرا بعدما تصدروا استطلاعات الرأي في أبريل في ظل المخاوف حيال التغير المناخي.
وارتكبت زعيمة الحزب أنالينا بيربوك (40 عاما) سلسلة من الأخطاء قبل الصيف، فاضطرت إلى الدفاع عن نفسها بمواجهة اتهامات بانتحال مقاطع من كتابها وتقاضي علاوات لم تصرح بها.