باهي أحمد
يمكن القول إن منظومة أسواق المال قد تخطت بنجاح، و«بأقل الأضرار الممكنة» تداعيات جائحة فيروس كورونا التي عصفت ولاتزال بواقعنا الكويتي كما سائر بلدان العالم بلا استثناء خلال السنتين الأخيرتين.
هيئة أسواق المال التي تقود المنظومة كشفت في تقريرها السنوي الأخير الصادر أواخر شهر يوليو الماضي، عن انعكاسات محدودة للجائحة وإجراءاتها الاحترازية على بعض توجهاتها الإستراتيجية، لاسيما المتصلة منها بأطراف أخرى خارج المنظومة، كتأجيل تطبيق مشروعها للاختبارات التأهيلية للوظائف واجبة التسجيل لمدة عام، وكذلك تأجيل ترقية الكويت إلى سوق ناشئة وفق مؤشرات MSCI لعدة أشهر، إضافة إلى تمديد أجل إستراتيجيتها الراهنة عاما إضافيا.
وفي هذا السياق، يقول رئيس مجلس مفوضي هيئة أسواق المال ومديرها التنفيذي د.أحمد الملحم في تصريح خاص لـ«الأنباء»، انه باستثناء هذه التأثيرات الطفيفة، يمكن القول وبحيادية مطلقة ان استمرارية أعمال المنظومة ومواصلة عمليات التداول وفق النهج المعتاد و«كأن جائحة لم تكن» أمر يستحق الإشادة، خاصة أنه أتى نتاج سياسة حصيفة للهيئة أثبتت الجائحة جدواها، دون إغفال عوامل مساعدة كتعاون أطراف المنظومة، والجهات الرقابية الأخرى ذات الصلة بأنشطة الأوراق المالية.
التحول الرقمي
يشير الملحم إلى أن مسار التحول الرقمي الذي بدأته الهيئة منذ سنوات عدة سبقت الجائحة قد أسهم بقسط وافر في نجاح المنظومة في تجاوز الواقع الاستثنائي الذي فرضته، إضافة إلى المرونة التي اتسمت بها الإجراءات المتخذة في ظل التداعيات الاحترازية للجائحة مشيرا إلى أبرز تلك الإجراءات، كوقف كافة المدد القانونية والتنظيمية الواردة في قانون الهيئة ولائحتـه التنفيذية غير المرتبطة بنشاط التداول في البورصة، وإجازة استخدام أسهم الخزينة في صناعة السوق وفق ضوابط محددة، وتأجيل مواعيد الإفصاح عن البيانات المالية لفترات محددة.
«الإفادة من التطور التقني، تعاون الأطراف ذات الصلة، المرونة» مثلت أسس إجراءات عاجلة وحاسمة ساعدت المنظومة في استيفاء متطلبات قانونية وتنظيمية واجبة ضمانا لحقوق جميع أصحاب المصالح، كإتاحة «الحضور الإلكتروني» بواسطة نظام الشركة الكويتية للمقاصة eAGM لاجتماعات الجمعيات العامة العادية وغير العادية للمساهمين ووكلائهم وممثلي الجهات الرقابية ومراقبي الحسابات، وإتاحة إمكانية إبداء الرأي والتصويت في الموضوعات المعروضة من خلال هذا النظام أيضا. وبذات الطريقة، إتاحة إمكانية عقد جمعية حملة وحدات الصناديق الاستثمارية حضوريا أو عبر الأنظمة الإلكترونية.
جهود استباقية
وأضاف الملحم أن الإجراءات المتصلة بالتحول التقني بدأت تؤتي ثمارها منذ مباشرتها كأنشطة سبقت التوجه لبلورتها في إطار تصور إستراتيجي متكامل. وهذا ما تمت ترجمته مساهمة فعلية للهيئة في تحقيق القفزة النوعية التي شهدها تصنيف الكويت على صعيد مؤشرات تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز التنافسية خلال الأعوام القليلة الماضية وانتقالها من المرتبة الـ97 إلى المرتبة الـ51 في غضون أعوام 3 فقط. كما أثبتت الجائحة نجاعة تلك التوجهات التقنية المبكرة من خلال تمكين الهيئة من امتلاك أدوات التعامل مع الإجراءات الاستثنائية في ظل التدابير الاحترازية.
نظام الإفصاح الإلكتروني
ويرى الملحم أن نظام الإفصاح الإلكتروني XBRL الذي أعلنت الهيئة عن إطلاقه في فبراير من عام 2019 مثل نقطة البداية الفعلية لمسار التحول الرقمي للهيئة، مع الأخذ بعين الاعتبار دوره الحاسم في تعزيز مقومات شفافية أسواق المال، وتحسين بنيتها الأساسية، وزيادة تنافسيتها. ومن المنتظر أن يساعد في تجاوز معوقات تبادل المعلومات بين الأطراف المتعاملة في السوق المالي بما يرفع كفاءة البيئة الاستثمارية بشكل عام.
التوعية الإلكترونية
ويرى الملحم أن نجاح أي توجه للهيئة تشريعيا كان أو تنظيميا أو رقابيا لا بد من مواكبته بتوعية ملائمة تحقق الإيضاح المطلوب بشأن آلية تطبيقه وما يترتب على مخالفته، ويؤكد سعي الهيئة في فترة ما قبل الجائحة للاستفادة من أحدث التقنيات المتاحة لضمان نجاح الجهود التوعوية في تحقيق أغراضها مع مراعاة جهد ووقت المعنيين بها، لافتا في هذا الصدد الى ما بدأته منذ عام 2019 عبر تنفيذ ورش عمل توعوية خاصة بنظام الإفصاح الإلكتروني باستخدام لغة XBRL من خلال شبكة الإنترنت Webinars.
وقد أثبت هذا التوجه نجاعته في ظل الجائحة وإجراءاتها الاحترازية التي أرجئت إلى حين تنفيذ برامج الحضور الجماهيري، كما تم مؤخرا تنفيذ فعاليات أخرى بآليات مماثلة كتلك التي تناولت موضوع التداول بالهامش، وتداول حقوق الأولوية وغيرها إضافة إلى برامج تأهيلية عدة.
بيئة عمل إلكترونية
لإنجاح التوجهات المتصلة بالتحول الرقمي لخدمات الهيئة المقدمة للمعنيين بها، كان لا بد من توفير بيئة داخلية مواتية تمتلك الأدوات المساعدة فكان توجهها لتطوير بنائها المؤسسي، وتنمية رأسمالها البشري، وتعزيز حوكمتها المؤسسية وإدارة مخاطرها التشغيلية، وتطوير بيئتها التقنية من خلال استخدام برامج تقنية حديثة لأداء المهام الإدارية والمالية، إضافة إلى نظام حديث للتراسل الإلكتروني، وبوابة قانونية، وتطبيق أنظمة تقنية عدة تتصل بأمن المعلومات، وأخرى تتعلق بتطوير البنية التحتية بما في ذلك خدمات الدعم الفني كما يشير الملحم، مشيرا إلى أن السنة المالية الأخيرة شهدت وحدها تنفيذ 194 اجتماعا عن بعد من خلال برنامج ZOOM.
«FinTech».. لتحسين المناخ الاستثماري
أشار الملحم إلى مشروع آخر للهيئة يندرج في إطار الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا، وهو مشروع وضع الإطار التنظيمي للتقنيات المالية (FinTech) المرتبطة بأنشطة الأوراق المالية بهدف تصميم وتقديم الخدمات والمنتجات المالية، بما يساعد في تحسين جودة الوصول إلى الخدمات المالية، والوقاية من المخاطر التقنية كالاختراقات السيبرانية، وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والمخاطر النظامية التي تؤثر على النظام المالي والمخاطر المتعلقة بمتانة البنى التحتية التقنية والمخاطر التشغيلية.
وأضاف ان هذا المشروع يمثل واحدا من ثلاثة مشاريع تعمل الهيئة على استكمال إدراجها في الخطط الإنمائية الحالية للبلاد نظرا لدوره الحاسم في إرساء البنية الأساسية المطلوبة لأسواق المال في الكويت ويسهم في زيادة تنافسيتها وتحسين المناخ الاستثماري المحلي ويدعم التوجهات التنموية الحكومية.
«البوابة الإلكترونية».. منصة شاملة مميكنة
قال الملحم ان البوابة الإلكترونية لهيئة أسواق المال في حالة تحديث مستمر «شكلا ومضمونا» وذلك منذ إنشائها في عام 2013، مشيرا إلى التحديثات العديدة التي تمت على تصميم الموقع الإلكتروني إضافة إلى إنشاء مواقع فرعية وصفحات مستحدثة، وإتاحتها عبر تطبيقات الأجهزة الذكية. كما اعتبر الملحم أن بوابة الهيئة تمثل منصة جامعة للخدمات التي تقدمها للجهات المشمولة برقابتها، بدأتها بالخدمات المتعلقة بتلقي تقارير الحوكمة في عام 2016، وأتبعتها الخدمات البريدية والمراسلات، والخدمات القانونية وتلك المتعلقة بالإدراج وأنشطة التراخيص والتسجيل بما في ذلك الخدمات الخاصة بالوظائف واجبة التسجيل. وأكد الملحم توجه الهيئة لميكنة كل خدماتها بلا استثناء، مشيرا إلى إنجاز ميكنة معظم النماذج المطلوب استيفاؤها للحصول على خدمات الهيئة، مشيرا إلى إطلاق الهيئة تطبيقا للأجهزة الذكية شمل قانون الهيئة ولائحته التنفيذية، إضافة إلى محتوى الموقع الإلكتروني للهيئة مع خاصية الإشعارات لقراراتها وإعلاناتها.