تجرى الانتخابات المقررة الشهر الجاري في العراق قبل موعدها استجابة لاحتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة جرت في 2019، لكن ليس هناك دلائل تذكر على أن التصويت سيحسن الأوضاع في بلد مازالت فيه الفصائل المسلحة تتمتع بنفوذ كبير.
ويحلم العراقيون بتغيير جذري بعد صراع وفساد استمرا سنوات. وبعد عامين من انتهاء حرب ضارية لقتال تنظيم «داعش» عام 2017 اندلعت احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة قتل خلالها المئات.
وفي حين تسعى الولايات المتحدة للانسحاب من العراق، تحتفظ إيران بنفوذ كبير في واحد من البلدان الرئيسية المنتجة للنفط في المنطقة.
وتعبر لافتات وضعت في ميدان رئيسي بجنوب البلاد عن الوضع السياسي الصعب، حيث تنتشر لوحات ضخمة تحمل صور من قتلوا وهم يدافعون عن قضايا كانوا يأملون أن تخدم بلادهم.
تعرض الصور آلاف المقاتلين الذين قاتلت فصائلهم تنظيم «داعش»، إلى جانب صور مئات الشبان الذين قتلوا بعد ذلك بعامين في احتجاجات ضد هذه الفصائل ذاتها.
كانت هزيمة التنظيم قد وحدت العراقيين فصوتوا لصالح قيادات الفصائل المنتصرة في آخر انتخابات عامة في 2018.
لكن الانتخابات التالية المقررة يوم العاشر من أكتوبر من المتوقع أن تكشف انقسامات متزايدة ظهرت منذ ذلك الحين وبخاصة بين الأغلبية الشيعية.
وتواجه فصائل مدعومة من إيران فصائل أخرى مناهضة للنفوذ الإيراني في البلاد في الانتخابات. والنشطاء الذين خرجوا إلى الشوارع في 2019 منقسمون أيضا، فبعضهم يقاطع الانتخابات والبعض الآخر يشارك فيها.
وترسم مجموعة من المقابلات أجرتها رويترز قبيل الانتخابات مع فصائل مختلفة في الجنوب وفصائل في الشمال صورة لبلد يعاني فيه الساسة والفصائل المسلحة والمجتمع ذاته من انقسامات لم يسبق لها مثيل.
يقول محمد ياسر الناشط الحقوقي من مدينة الناصرية حيث قتلت قوات الأمن بالرصاص عشرات المتظاهرين في 2019 إن حتى أفراد أسرته منقسمون.
وأضاف أنه شخصيا يرفض الإدلاء بصوته وغيره من أفراد الأسرة يريدون التصويت لأحزاب إصلاحية وأحد أبنائه يؤيد التيار الصدري، مشيرا إلى رجل الدين مقتدى الصدر الذي يحظى بشعبية ويعد بالإصلاح وفي نفس الوقت له نفوذ عميق داخل الدولة وله فصيل مسلح خاص به.
ويقول بعض الساسة إن العراق يتحرك للأمام. وتجرى الانتخابات قبل موعدها بستة أشهر بموجب قانون جديد يهدف إلى مساعدة المرشحين المستقلين في حين يشارك فيها 167 حزبا، وفقا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق.
ولم يعد العنف الطائفي ملمحا رئيسيا وتحسن الوضع الأمني عما كان عليه في الأعوام السابقة.
ويقول مواطنون عاديون وديبلوماسيون أجانب ومحللون إن الواقع يتمثل في التناحر بين فصائل مدججة بالسلاح تسيطر على أجهزة الدولة ومواردها ومستعدة للجوء للقوة للحفاظ على السلطة.
ويؤكدون أن الاستياء الشعبي من الفساد وضعف الخدمات يمكن أن يخدم مصالح فصائل مثل تنظيم داعش أو يدفع المزيد من العراقيين للهجرة إلى الغرب.
وما ستسفر عنه الانتخابات هو ما سيحدد الاتجاه في السنوات المقبلة، فإما سترفع الفصائل سلاحها في وجه بعضها بعضا أو أنها ستقسم الغنائم فيما بينها سلميا.
يقول توبي دودج الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد «الانتخابات مهمة حقيقة للتنافس فيما بين النخبة وكيف ستعالج هذه النخبة اختلال التوازنات دون أن تتكبد خسارة كبيرة».
وأضاف أن انقسام الأحزاب الشيعية يناسب إيران مادام لا يهدد نفوذها المتزايد في البلاد منذ 2003.
وتشكل الناصرية، وهي معقل احتجاجات مناهضة للحكومة، صورة مصغرة للمشهد السياسي في العراق. فالأحزاب هناك تعقد تجمعاتها الانتخابية بعيدا عن الأنظار ولا تعلق لافتات دعائية لأن المحتجين يمزقونها.
والنشطاء الذين يترشحون يحبذون البعد عن الأنظار خوفا من فصائل مسلحة يقول المسؤولون إنها كانت وراء أعمال قتل وترويع، وتنفي الفصائل ذلك.
وقال المرشح داود الحفاظي إن الانقسامات في الحركة الاحتجاجية جلبت عليه تهديدات من محتجين آخرين يريدون مقاطعة الانتخابات.
وروى أن أحد الشبان من الحركة الاحتجاجية قال له إنه إذا فاز بمقعد في البرلمان ولم ينفذ إصلاحات على الفور فسيحرق إطارات أمام منزله.
والتنافس الأساسي في هذه الانتخابات بين الفصائل المدعومة من إيران وبين فصيل مقتدى الصدر الذي يعارض كل أشكال التدخل الأجنبي.
ويهون المرشحون الصدريون والمتحالفون مع إيران في الناصرية من شأن خلافاتهم ويقولون إن كل طرف ينأى بنفسه عن الآخر أغلب الوقت قبيل الانتخابات.
لكن أحد المسؤولين الصدريين في بغداد قال، طالبا عدم الكشف عن هويته، إنه يخشى من اندلاع عنف إذا حقق حزبه فوزا كاسحا في الانتخابات. وأضاف «الجانب المدعوم من إيران لن يسمح بذلك. سيندلع قتال».
وسادت الانقسامات كذلك محافظات شمال العراق وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي. وسحقت احتجاجات في كردستان العام الماضي بعنف مما أبعد الكثيرين عن الساحة.
وقال إبراهيم الحشماوي، وهو سني يقيم في كردستان، إنه إذا أراد أن يدلي بصوته فعليه أن يعود إلى مدينته «بلد» الواقعة شمالي بغداد.
وأضاف «هربت مع عائلتي خوفا من انتقام عشيرة تسكن منطقتنا.. أشعر بالخوف الشديد من الرجوع. ما فائدة المخاطرة بحياتي للتصويت في انتخابات لن تؤدي إلى أي تغيير».