توسعت الكويت عمرانيا فهدمت سورها الأخير في 1957 لتكون دولة تحدها الأسوار الافتراضية المتمثلة بالنقاط الحدودية، هذا الاستيعاب المنطقي لمعنى السور توقف عند هذا الحد في بلادي، لأنه انعكس داخليا إلى مبان خاصة وعامة وحكومية ذات أسوار عالية معدومة الجدوى، بيوت الكويتيين عالية الأسوار تحجب جمال تصاميمها وحدائقها، وتعكس صفات القاطنين فيها من رغبة عارمة في الاحتجاب عن الخارج، ورغبة أكبر في ترسيم حدود الملكية الخاصة التي أصبحت وسما للتباهي بالحيازات المكانية، كيف تخبر أحدهم أنه المالك الوحيد الأوحد لهذا المكان دون الحاجة لكل هذه الأعمدة والأسوار العالية؟
الأمر تعدى ذلك بشكل مفزع إلى المساجد والمستشفيات، فتخيل معي أن علو أسوار تلك المرافق العامة لا يعكس طبيعتها الإنسانية والروحانية فضلا عن الجمالية، فحين يكون المسجد مقفل الأبواب الرئيسية، والمشفى محكم الإغلاق عند انتهاء الدوام الرسمي إذا افترضنا أنه يغلق فعلا، فلماذا يكون له سور مشيد بهذا العلو وهذه المتانة؟
وهل الدوائر الحكومية أيضا حيازات خاصة وملكيات للوزير المعني أو وكيله المعين؟ المواطن الكويتي اليوم يرى مسألة الأسوار التي اعتاد أن يراها في كل مكان صفة لازمة لمكانه ولشخصيته، فأصبح يضع الأسوار المعنوية في الخطابات والمناداة، ورأينا كيف شعر أحد مسؤولي الدولة بالانتقاص حين خوطب بالسيد، فرد جميع الكتب الرسمية لتتم مخاطبته بمعالي، المعالي هنا هي الأسوار ذاتها التي من المفترض أننا قمنا بهدمها في 1957.
المرفق العام يجب أن يظل مشرع الأبواب وقت العمل دون أسوار، وكذلك من يتقلد منصب إدارته يجب أن يتخلى عن أسواره التي جعلها حاجبا له عن الناس دون اكتراث لمعنى وجوده في هذا المكان أصلا، بلاد الأسوار بلادي، وآن أن نرى تفاصيلها الجميلة دونها.
خطوة محسوبة لحكومة الكويت في الآونة الأخيرة بتوظيف ناطق رسمي لها، وناطق رسمي لتطبيقها الجديد (سهل)، هذا الأمر حتى وإن لم نشعر به فقد هدم سورا قديما كان قد شيده مسؤولو الفترات السابقة من تاريخنا، كان هذا السور يحجب كل قرار أو قانون عن فهم الناس وعقولهم ترتيبا لاستيعابهم له وتطبيقه، فأول خطوات التسويق هي هدم الأسوار بينك وبين المتلقي، ويجب فعلا على الحكومة أن تحسن تسويق قراراتها.