من المؤكد أن التعليم عن بعد في مختلف دول العالم - ونتحدث هنا عن الكويت - يحتاج فترة طويلة، لتقييمه والوقوف عند سلبياته وإيجابياته، ومن الصعوبة بمكان أن نصدر عليه الأحكام، لمجرد أن جائحة كورونا فرضته على العالم بأسره، وأن دولا عدة خضعت له وطبقته على مختلف المؤسسات التعليمية كإجراء احترازي.
وأرى أن الأمر - خصوصا في الكويت - يحتاج إلى فترة أطول للتقييم، حيث إن تطبيق آلية التعليم عن بعد لم تأت بعد دراسة وترتيب من القائمين على المؤسسات التعليمية سواء في وزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي، ولم تأخذ فترة من التدريب لمن سيقومون بتطبيقها، بالإضافة إلى الاستعدادات الأخرى مثل تجهيز الأدوات المريحة لهذا التعليم من خلال الإنترنت القوي والمتاح للجميع، والمواقع السهلة التي يمكن بفضلها تحويل شاشات الأجهزة الإلكترونية إلى فصول دراسية، بالإضافة إلى التأهيل النفسي الذي يجب أن يخضع له المعلم والمتعلم في آن واحد.
فالذي حدث سابقا خلال تطبيق آلية الدراسة عن بعد، أن الأمور جاءت في شكل مباغت لم يتح الفرصة لطرح أي دراسة أو تأهيل العاملين في المجال التعليمي أو الطلبة والطالبات، حيث إن الأحداث الخاصة بالجائحة كانت متسارعة، ولم تترك مجالا أمام الجهات المعنية في مجلس الوزراء خصوصا وزارة الصحة، من أجل البحث قبل التطبيق.
وهذه المسألة كانت أشبه بالمفاضلة بين خيارين كلاهما مر، إما أن تنتظم الدراسة بصورة طبيعية، وبالتالي ستزيد الإصابات بين الطلبة والطالبات، الذين بدورهم سينقلونها إلى أسرهم، مما سيضاعف الضغط على المنظومة الصحية، ويزيد العبء عليها، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة، والخيار الآخر هو التطبيق السريع للتعليم عن بعد، رغم أن المدارس والجامعات لم تكن مؤهلة لذلك، وقد كانت ومازالت الآراء منقسمة إزاء هذا الأمر، بين مؤيد ومعارض له.
ومن ثم اضطرت الجهات المعنية في الحكومة الكويتية في الميل إلى جهة التعليم عن بعد، وهو الأمر نفسه الذي اتبعته معظم دول العالم في مواجهتها لجائحة كورونا، من أجل المحافظة على صحة المجتمع وحمايته من فيروس جديد، لم تكن هناك الاستعدادات والدراسات الكافية من أجل الوقوف على حقيقته.
ومن وجهة نظري، فإن هذا الاختيار الذي توصلت إليه الجهات المعنية في الحكومة كان صائبا، رغم أن هناك سلبيات حقيقية ظهرت على السطح، ويتم الآن التغلب عليها من خلال المختصين، لعل من أبرزها مسألة التفوق الوهمي، حيث إن طلابا وطالبات عدة حصلوا على نسب مرتفعة، ربما لا يستحقها معظمهم.
ولكن.. يبقى التعليم عن بعد في الكويت، تجربة مهمة وفريدة، يمكن الاستفادة من نتائجها سواء كانت سلبية أو إيجابية، من أجل مجاراة العصر الذي أرى أنه يتجه بقوة إلى التعليم الإلكتروني، بما فيه التعليم عن بعد، لذا إنني أدعو كل أهل الاختصاص لتقديم توقعاتهم وتصوراتهم، من أجل أن يفي التعليم عن بعد بالغرض المطلوب منه في حال تطبيقه، من دون أخطاء قد تؤثر على منظومة التعليم.