- الأعمال التنقيبية في الصبية وأم العيش وعكاز وفيلكا دلّت على وجود آثار إسلامية عثر فيها على فخاريات مزججة
- أوضاع الكويت قبل 1896 أكدت محافظة مواطنيها على استقلالهم وسمعتهم ومكانتهم ولم تكن عليهم أي سيطرة منذ نشأة بلدهم
- السور الأول واتساع التجارة وامتدادها إلى الهند والمليبار ومعركة الرقة المشهورة في تاريخ الكويت أبرز محطات وإنجازات حكم الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر
- طلب الشيخ مبارك الصباح الحماية البريطانية حظي بإشادة كبيرة بعد اعتراض الأتراك على سياسته الداعية إلى إبقاء بلده على وضعه المستقل
نوالي هذه الفصول كما وعدنا منذ البداية، وهكذا تجري بنا السنون مع تاريخ الكويت القديم والحديث ما يجب علينا رصده حتى يكون بين أيدي الأجيال القادمة، فلا يتسرب إليه النسيان.
وفي هذا الفصل:
1 ـ الكويت قبل تاريخها الحديث.
2 ـ الكويت في زمن حكم الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر.
3 ـ الكويت ما قبل عهد الشيخ مبارك الصباح.
4 ـ الشيخ مبارك الصباح، شخصيته وسلوكه.
5 ـ حول اللهجة الكويتية.
ومن هنا نبدأ في تفصيل النقاط المذكورة أعلاه:
1 ـ الكويت قبل تاريخها الحديث
للكويت ـ أيضا ـ تاريخ اسلامي معروف، وكانت مساكن العرب فيها خير دليل على ذلك، أما الشعراء الذين تغنوا ببعض الاماكن فيها فهم كثيرون نذكر منهم الفرزدق وجريرا وذا الرمة وهم من شعراء العرب المعدومين، أما أخبار الناس في أرض الكويت ـ قديما ـ فهي كثيرة، وقد تعاقبت على سكناها أعداد من أبناء القبائل العربية كانت منهم قبيلة اياد وقبيلة بكر بن وائل ثم قبيلة تميم، ولحقت ذلك جماعات متفرقة إثر نزوح عدد كبير من ابناء قبيلة تميم الى مناطق أخرى تبعا لحركة الفتوح الاسلامية، واتساع دولة الاسلام، وهناك الكثير من الأدلة التي تؤكد كل ذلك، وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن إياس يقول: «سمعت برسول الله وأنا أرعى إبلا لأهلي بكاظمة». إضافة الى استقبالها جيوش الاسلام المتجهة الى الجهاد بدءا من معركة ذات السلاسل التي قادها الصحابي الجليل خالد بن الوليد.
فنحن بذلك ندرك أن أرض الكويت لم تكن خالية من السكان، بل لقد تعاقب العرب على سكناها، وعاشوا على ثراها تاركين آثارهم وأخبارهم وأشعارهم.
ولقد دلت الأعمال التنقيبية في كل من الصبية وأم العيش وجزيرة عكاز وجزيرة فيلكا على وجود آثار إسلامية عثر منها على فخاريات مزججة، وكسر من الزجاج، وقطع نقدية، يعود بعضها إلى القرن الثاني الهجري بما يعادل القرن الثامن الميلادي، ويعود البعض الآخر الى فترات متأخرة لاحقة.
هذا، وقد عثر في وادي الباطن على أدوات صوانية، وآثار اسلامية تعود الى العصر العباسي. أما الصبية فقد وجدت فيها فخاريات تعود الى الفترة الإسلامية المتأخرة، وكسر من الزجاج السميك، وقطع نقدية، وآبار مستديرة الشكل مبنية من الحجر المسامي الخشن، وعثر ـ أيضا ـ على جرة مزججة ترجع إلى العصر الاسلامي، يعود تاريخها إلى الفترة بين القرنين الثالث والرابع الهجريين، بما يعادل القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وقد عثر عليها بمحض الصدفة وفي أم العيش عثر على كسر زجاجية، وأخرى فخارية مزججة، وقطعة نقدية اسلامية، وهكذا توحي لنا الآثار المكتشفة في ارض الكويت بدلالاتها على عمران البلد في العصر الاسلامي، وعلى وجود حياة مليئة بالسكان، وان الامل في اكتشاف المزيد من تلك الآثار هو ما يراود نفوسنا دائما وسوف نرى في القريب العاجل ما يؤكد ما ذهبنا اليه.
2 ـ الكويت في زمن حكم الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر
في سنة 1776م تولى ـ بحسب أحد الأقوال ـ حكم الكويت الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر وكانت فترة حكمه عامرة بالأحداث وبالانجازات، فمن الانجازات بناء سور للبلاد بعد ان اتسعت، وكثر اعداؤها، وهذا السور هو السور الأول من حيث الشكل، وقد سبقه بناء سور غير متكامل هو عبارة عن جدران تسد بعض الفتحات التي تطل على جنوبي البلاد، وموضع هذه الجدران التي سميت سورا يبدأ من شرقي المسجد الكبير مارا بمسجد السوق ومسجد الحداد ومسجد العدساني، الى فريج سعود عند مسجد المديرس الحالي.
ومن الإنجازات ـ أيضا ـ ان تجارة الكويت في عهده قد اتسعت، وامتدت حتى وصلت سفن الكويت الى الهند والمليبار، وكان لصفات هذا الشيخ الكريمة أثر فيما تم في عهده من انجازات، إذ كان رجلا حازما قريبا الى الحق، محبا لأهل وطنه حريصا على مصالحهم.
وفي عهده حدثت أحداث نذكر منها ما سمي بمعركة الرقة، وهي معركة مشهورة جدا في تاريخ الكويت، ولايزال الناس يرددون ذكرها على الرغم من أنهم لم يشهدوها، وذلك لأن الكويتيين أبدوا فيها شجاعة كبيرة، ودافعوا عن شرف وطنهم خير دفاع، وصارت نتائج هذه المعركة سورا معنويا يمنع عن البلاد الكثير من الشرور، إذ أصبح كل من يفكر في الاعتداء على الكويت يستذكر ما حدث في يوم الرقة فيراجع نفسه، ويمتنع عن التقدم بما يريد أن يفعله، وقد سميت منطقة سكنية في مناطق الكويت باسم الحادثة تيمنا بالنجاح والفوز في كل مجال من مجالات التنافس، أما الرقة التي هي مدار المعركة فقد كانت بالقرب من جزيرة فيلكا، وقد خرجت في ذلك الوقت اعداد من بني كعب الذين يسيطرون على المحمرة ـ آنذاك ـ حين تحركت أطماعهم تجاه الكويت، فخرجوا قادمين إليها من أجل احتلالها والقضاء على نظامها، ولكن أهل الكويت خرجوا الى السفن المعادية، واستقبلوها في عرض البحر، فتم اللقاء في منطقة الرقة التي شرحنا موقعها. وقد استطاع الكويتيون أن يقضوا على أكثر سفن أعدائهم، ثم رجعوا فائزين.
كانت خطة أهل الكويت قد استندت الى استدراج سفن بني كعب الى منطقة الرقة، وكان ذلك من أهم أسباب النصر، إذ إن المغيرين على غير دراية بطبيعة الموقع، وكانوا غير عارفين بأن الابحار فيه لا يناسب احجام سفنهم الكبيرة، فكانت خسارتهم فادحة.
3 ـ الكويت ما قبل عهد الشيخ مبارك الصباح
لا شك في أن عهد الشيخ مبارك الصباح 1896 ـ 1915م كان عهدا مهما في تاريخ الكويت، وأن هذا العهد قد نقل الكويت نقلة نوعية كبرى بفضل همة الشيخ مبارك وبعد نظره وحرصه على أن تحظى بلاده بما تستحقه من تقدير واحترام بين الدول، وأن تكون ـ دائما ـ مستقلة مسموعة الكلمة. ولكن هذا العهد مسبوق بعهود أخرى حكم الكويت فيها رجال لهم وزنهم وأهميتهم، وان كان التاريخ لم يسجل تلك العهود باستضافة ووضوح كما يجب أن تُسجل أحداث البلدان فإننا نجد بعض الملامح التي تدلنا على أوضاع الكويت قبل عهد الشيخ مبارك وتسلط ضوءا على تلك الأيام، فمن ذلك:
1 ـ في كتاب «رحلة في أرجاء آشور» للكاتب بوكنهجام الذي زار الخليج في سنة 1816م، جاء عن الكويت ما يلي: «هناك كل الأسس والمبررات التي تؤكد أن الكويتيين قد حافظوا دائما على استقلالهم، ويحافظون حتى الآن على سمعتهم ومكانتهم باعتبارهم أكثر سكان دول الخليج ومدنه شجاعة وتطلعا للحرية».
2 ـ ورد في تقرير الوالي مدحت باشا الذي كتبه في سنة 19872م قوله: «تبعد الكويت عن البصرة ستين ميلا بحريا وهي كائنة على الساحل بالقرب من نجد، وأهلها مسلمون، وفيها ستة آلاف دار، ولم تكن تابعة لحكومة، وأراد نامق باشا إلحاقها بالبصرة فأبى أهلها ذلك، لأنهم تعودوا عدم الإذعان للتكاليف والخضوع للحكومات».
3 - ويقول الباحث الروسي بونداريفسكي: «في تقارير ممثلي السلطات الانجليز في لقاءاتهم مع الشيخ جابر بن عبدالله وابنه الشيخ صباح بن جابر كانوا يؤكدون امرين هما: أن سلطة او مكانة السلطان العثماني تعتبر وهمية، وأن السفن الكويتية بدأت في الستينيات من القرن التاسع عشر ترفع العلم التركي بدلا من علمها بسبب منح الاتفاقية التركية - الانجليزية للسفن حاملة العلم التركي امتيازات ومعاملة خاصة في الموانئ الهندية»، وما ذكره هذا الكاتب يدل على ان استعمال السفن الكويتية للعلم التركي لم يكن إلا لمصلحة تجارية، دون ان يعني ذلك اي ارتباط سياسي.
الكويت كانت دائما حرة في سياستها، وفي تصرفات حكامها ولم تكن عليها اي سيطرة منذ نشأت.
4 - الشيخ مبارك الصباح شخصيته وسلوكه
حظي الشيخ مبارك الصباح باهتمام عدد كبير من الكتاب في عصره، وأثنى كثيرون منهم على حسن تصرفه في مسألة الحفاظ على الكويت، حين لجأ إلى طلب الحماية البريطانية، وليس لأجل هذا فقط، بل لأنه استطاع ان يغري البريطانيين بإقامة أقوى الروابط مع الكويت في وقت لم يكونوا راغبين في ذلك، ولا شك في ان المحاولات الكثيرة التي بذلها الشيخ مبارك، وعلى اكثر من صعيد هي التي دفعت البريطانيين الى اتخاذ موقف كانوا بعيدين عن اتخاذه قبل تلك المحاولات المباركة الدائبة.
وكان الشيخ مبارك ينحي باللائمة على العثمانيين انفسهم في مسألة فرض الحماية البريطانية على الكويت، فهم الذين دفعوا بالأمور الى هذا الحد، وفي شهادة لرجل من رجال الدين الكبار هو الشيخ محمد رشيد رضا، قال: انه استمع من مبارك شخصيا الى القصة كاملة، وأن مباركا أبلغه قوله: «فما كان من تدخل الانجليز في امر الكويت لم يكن بطلب مني، بل كان هذا سببه».
وهو يعني انه لم يكن يرغب في ذلك، ولكنه قصد الى مخالفة الاتراك الذين كانوا يعترضون على سياسته الداعية الى ابقاء الكويت على وضعها المستقل، وإقدامهم على إرسال وفد يهدد مباركا ويطالبه بترك الكويت، كما يهدده بشن الحرب ضد بلاده، وكان الشيخ مبارك حريصا على الاستفادة من هذا الاتفاق الكويتي - البريطاني، واستغلال كل فرصة يمكن ان تتيح لوطنه فائدة، ولم يكن مستسلما لهذا الجانب او ذاك، بل إننا نراه على العكس من ذلك داعيا الى مصالح وطنه بشتى الوسائل، حتى لقد كتب المقيم السياسي البريطاني في الكويت الى الوكيل السياسي البريطاني العام في بوشهر بتاريخ السابع والعشرين من شهر مايو لسنة 1909 رسالة يقول فيها: «لست متفائلا جدا حتى اتوقع من مبارك ان يحيطني بثقته الكاملة التي لا يوليها لأي شخص، لكنه في الوقت نفسه يستغل بمهارة فائقة، وحنكة كبيرة، نفوذه على السلطات البريطانية بما يحقق اهدافه، وخططه الخاصة».
هكذا كان الشيخ مبارك الصباح وهكذا كان الرأي فيه، وبهذه الطرق التي سلكها في قيادة الكويت وصل الى ما يريد، ونالت الكويت على يده آمالها.
5 - حول اللهجة الكويتية
وبحسب الوعد السابق فهذه ألفاظ اللهجة الكويتية نراها مقارنة بنظائرها من الألفاظ الفصحى وسوف نوالي ذلك في فصول قادمة إن شاء الله.
أ - ر.ش.ن: يُقال في الفصحى: الروشن. وهو ما نسمّيه في لهجتنا الروشنة. وهي كوة غير نافذة تكون في حائط الحجرة من الداخل توضع فيها بعض حاجات ربة البيت التي تحرص عليها، كما توضع فيها - احيانا - بعض الزجاجات الملونة للزينة.
ب - م.و.ت: في اللهجة لفظ له أصل عربي هو: ايتميوت، ومعناها في الفصحى يتماوت، اي يبدي الضعف الشديد، وهو غير ضعيف وبعضهم يتماوت ليبدي للناس تدينه وزهده، وهذا امر منهي عنه في الاسلام. فالدين قوي ينبغي ان يكون اتباعه اقوياء. والتماوت من ألفاظ الفصحى.
ج - ل.و.ت: وفي اللهجة لَوَّتَ فلان غترته اي جعلها ملفوفة فوق رأسه، ولوت القماش طواه على هيئة تجمعه الى بعض. وفي الفصحى لات فلان الشيء لوتاً: اداره مرتين كما تدار العمامة.
د - د.ر.ج: أصلها درج في قولهم: درج الرجل: سار، وفي كتابات أهل اللهجة الكويتية يكتب التاجر في دفتره، درجت علينا هذه البضاعة بسعر كذا اي وصلت إلينا. وفي الفصحى، قال ابن منظور في كتابه: «لسان العرب»: «والدرَّاجة العجلة التي يدبُّ الشيخ والصبي عليها»، ومنها الدراجة التي نعرفها اليوم فقد جاء اسمها من الماضي.
هـ - و.هـ.ج: الوهج: في الفصحى، هو توقد النار وتأججها، وفي اللهجة، يقال الواهي بدلا من الواهج، وفي حالة حقد إنسان على آخر يقال في اللهجة إنه يتصرف ضد فلان من الواهي (اي توقد حرارة الحسد) الذي في جوفه.
و - م.ي.ح: لفظ ماح لفظ عربي فصيح، ومعناه إذا قيل تمايح في مشيته: تمايل.
وهي كذلك في اللهجة، فيقال: يتمايح السكران في مشيته، ويتمايح غصن الشجرة بسبب الهواء.
ز - ف.ل.ج: تقول اللهجة: فَلَّح فلان التفاحة، اي قطعها الى اقسام متساوية طوليا وفي الفصحى: «فلح الشيء يفلحه: شقه».
ح - ل.ف.ح: لفحت الرجل النار، ولفحه الهواء الحار. لفظ مستعمل في اللهجة كما هو في الفصحى.
ط - ل.و.ح: ورد في اللهجة الكويتية لفظ: الملواح.
وهو في الفصحى كما وصفه ابن منظور:
«أن يعمد الى بومة فيخيط عينيها، ويشدّ في رجلها صوفة سوداء، ويجعل له مربأة، ويرتبئ الصائد في القترة، ويطيّرها ساعة بعد ساعة، فإذا رآها الصقر أو البازي سقط عليها فأخذه الصياد، فالبومة وما يليها تسمى ملواحا».
- مرباً: موضعاً.
- قترة: حفرة يختبئ بها الصائد.
وفي اللهجة الكويتية لفظ الملواح معروف، وهو مقارب للوصف الوارد في كتاب لسان العرب، إلا ان المستعمل قديما هو طائر الغراب ثم الحمامة بدلا من البومة.
ي - و.ق.ح: الرجل الوقيح في اللهجة هو الذي لا يستحيي وتنطق القاف كافا.
وتطلق احيانا على الصغير المضايق في سلوكه لغيره، وفي لسان العرب: «رجل وقح... قليل الحياء».