- بعض الدول المنتجة للنفط تحتاج لسعر برميل يصل إلى 95 دولاراً ليصبح العجز المالي صفراً!
- الكويت تعاني من نقص الأموال لدعم مشاريعها وخططها الاستراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد
أحمد مغربي
قال الباحث المتخصص في معهد الكويت للأبحاث العلمية د.مشعل السمحان إن أزمة كورونا الاقتصادية أصابت قطاعات صناعية بالشلل وأخرى تعرضت لخسائر كبيرة أدت الى اغلاقها وهذا امر يحتاج الى وقت لكي تتعافى وتعود القطاعات الصناعية إلى سابق حالها قبل ازمة كورونا، وانعكاسا على هذا فان الأسواق النفطية ستحتاج الى وقت أطول للتعافي وقد يمتد الى 2025.
وذكر السمحان في لقاء مع «الأنباء» أن اسعار النفط الحالية والتي تدور في فلك 80 دولارا للبرميل غير كافية لكثير من الدول المنتجة، فاغلب هذه الدول في ظل الظروف الاقتصادية المتعثرة وكذلك المتأثرة في وضع ما قبل كورونا تحتاج على الأقل إلى ميزانية سنوية متعادلة او بعجز صغير وهذا لن يتحقق لها من خلال الأسعار الحالية بالسوق (بعضها يحتاج إلى سعر برميل يصل لـ 95 دولارا)، اما الدول الأقل تضررا من هذه الأسعار كالكويت فهي وان كانت تعاني من عجوزات نسبيا اقل لكنها تعاني من توافر الأموال المطلوبة لدعم مشاريعها وخططها الاستراتيجية، هذا امر يعتبر من التحديات الكبرى من حيث التوقيت فمحاولة إعادة الهيكلة الاقتصادية وتوفير فرص عمل ومعالجة التركيبة السكانية والوضع الاسكاني في ظل عدم توافر الأموال اللازمة لتفعيل الحلول يجعل الامر في غاية الصعوبة ان لم يكن مستحيلا.. وفيما يلي التفاصيل.
هل طرأ أي تغيير على استراتيجية الطاقة عالميا جراء جائحة كورونا؟
٭ خلال جائحة كورونا شهدت اسواق انتاج الطاقة أكبر تراجع لها منذ عقود طويلة فقد تراجع الانتاج بما يقارب 4.7% على المستوى العالمي وهذا بطبيعة الحال مرتبط تماما بالانكماش الاقتصادي الذي عاشته الدول في أزمة كورونا.
ومن المهم التأكيد هنا على ان مصطلح اسواق الطاقة المقصود به جميع مصادر الطاقة المتوافرة كالأحفورية (نفط، غاز، فحم) النووية، ومختلف انواع الطاقات المتجددة الشمسية منها والمائية.
وقد ابرزت هذه الازمة ان الحلقة الاضعف والأسرع تأثرا بالمتغيرات العالمية هي الطاقة الأحفورية وبالأخص النفط الخام.
لذلك، بدأت غالبية الدول النفطية التحرك بجدية لتنويع مصادر الطاقة لديها وتقديم المشاريع التي تخدم هذا التوجه، لذلك يجد المواطن الخليجي اليوم ان مشاريع الطاقة الشمسية بدأت تدخل ضمن استراتيجيات خليط الطاقة المحلية في كثير من دولنا، لاسيما ان في هذه الخطط تحرير لأكبر عدد من البراميل للاستخدام في صناعات تحويلية مدرة للأرباح.
لماذا كان النفط هو الأكثر تأثرا بمتغيرات اسواق الطاقة؟
٭ يعود هذا الامر لعدة اسباب اهمها طبيعة العقود النفطية وهي قصيرة الاجل مقارنة بمصادر الطاقة الاخرى وبالتالي تتغير سريعا حسب المعطيات الآنية، وكذلك حجم الأسواق النفطية مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، والاهم ان نوعية الصناعة المرتبطة بالنفط الخام تختلف عن الصناعات المرتبطة بالطاقة النووية والطاقات المتجددة وحتى الفحم الحجري، فالنفط مرتبط بمنتجات تباع في الأسواق كالسوائل الكيميائية الخفيفة ووقود قطاع النقل وهذه المنتجات لها طبيعة العرض والطلب تحت مظلة النمو الاقتصادي والذي أدى الى انخفاض بالطلب العالمي على النفط بلغ اكثر من 6.5 ملايين برميل يوميا، لذلك نجد الدول التي ترتبط ميزانياتها بشكل كبير بالإيرادات النفطية الأكثر عرضة لهزات الأسواق والتعرض لعجوزات غير متوقعة بالميزانية ويصعب تعويضها تماما كم حدث في معظم دول الخليج وبالأخص الكويت خلال عامي 2020 و2021 تحديدا.
ما الاستراتيجية التي تعاملت بها الدول النفطية للتعامل مع هذا التراجع بالأسواق؟
٭ برأيي قبل التفصيل في تحركات الدول النفطية لمواجهة الازمة، هناك سؤال مهم يجب طرحه وهو: هل ستنتهي ازمة الطلب العالمي بانتهاء ازمة كورونا؟
الجواب هو «لا»، والسبب يعود الى ما ذكرناه سابقا كون الأسواق النفطية مرتبطة بصناعة ومنتجات تخضع للعرض والطلب والحالة الاقتصادية العامة، ونعلم تماما انه بسبب ظروف ازمة كورونا الاقتصادية هناك قطاعات صناعية تملكها الشلل وأخرى تعرضت لخسائر كبيرة أدت الى اغلاقها وهذا امر يحتاج الى وقت لكي تتعافى وتعود القطاعات الصناعية لسابق حالها قبل ازمة كورونا، وانعكاسا على هذا فان الأسواق النفطية ستحتاج وقت أطول للتعافي وقد يمتد الى 2025.
الان عودة الى السؤال الأساسي عن استراتيجية التعامل التي تبنتها الدول النفطية، فقد حرصت الدول المنتجة على استمرار مجموعة أوپيك +، وهي المجموعة التي تعمل على إعادة التوازن بين العرض والطلب في أسواق النفط رغبة بالوصول لأسعار بيع مجدية للدول المنتجة بعد الانخفاضات التي واجهتها منذ 2016 وحتى بداية أزمة كورونا في 2020، لكن هذا التحرك أثبت اليوم انه لم يعد كافيا لحماية استقرار اقتصاد هذه الدول واصبح لازما عليها خلق روافد أخرى والاعتماد على تمويل الميزانية العامة من عدة روافد وان ارتبطت بأساسها بالقطاع النفطي كالصناعة البتروكيماوية والصناعات التحويلية اللاحقة.
هل الأسعار الحالية والتي تجاوزت الـ 80 دولارا تعتبر جيدة؟
٭ بالمطلق هذه الأسعار تعتبر غير كافية لكثير من الدول المنتجة خصوصا الكبرى منها كالسعودية وفنزويلا وإيران، فاغلب هذه الدول في ظل الظروف الاقتصادية المتعثرة وكذلك المتأثرة في وضع ما قبل كورونا تحتاج على الأقل لميزانية سنوية متعادلة او بعجز صغير وهذا لن يتحقق لها من خلال الأسعار الحالية بالسوق (بعضها يحتاج لسعر برميل يصل لـ 95 دولارا)، اما الدول الأقل تضررا من هذه الأسعار كالكويت فهي وان كانت تعاني من عجوزات نسبيا اقل لكنها تعاني من توافر الأموال المطلوبة لدعم مشاريعها وخططها الاستراتيجية، هذا امر يعتبر من التحديات الكبرى من حيث التوقيت فمحاولة إعادة الهيكلة الاقتصادية وتوفير فرص عمل ومعالجة التركيبة السكانية والوضع الاسكاني في ظل عدم توافر الأموال اللازمة لتفعيل الحلول يجعل الامر في غاية الصعوبة ان لم يكن مستحيلا.
في النهاية، ماذا عن المستقبل القريب؟
٭ الدول النفطية يجب ان تعيد أولوياتها وتتخلص من النظرة العالمية لها بان معظمها تعتبر كمحطات وقود تزود العالم بما يحتاج اليه من بترول، هذا لن يتحقق وفق الاستراتيجيات التقليدية بل يحتاج الى قرارات حاسمة واستغلال التغيرات العالمية المتوقعة بانتهاء ازمة كورونا فالتحديات القادمة أكبر وما كان سهلا عالميا قبل أزمة كورونا هو اليوم صعب وذو تنافسية عالية.