دلال العياف
سجل العالم أدوارا تاريخية ومسيرات حافلة لشخصيات أثروا الساحة وكانوا زعماء شهد لهم التاريخ، إما بالسلب أو الإيجاب، حيث تقوى الدولة وتبقى ببقاء وقوة رئيسها وحاكمها الذي يدير شؤون البلاد بالعدل والحكمة.
وهناك بعض الشخصيات نبذهم التاريخ بسبب أعمالهم العدوانية والكارثية، والبعض شهد التاريخ لحكمتهم ودهائهم وحسن التصرف الدقيق في شؤون الحكم، وهناك من أسر العالم بتطويره لبلاده، وكذلك من حكم العالم بفضل حنكته في قيادته الدولة، والعديد من الشخصيات التي أثرت بشعوبهم رغم ظلمهم! لكن هناك صراعات تنتهي بانتهاء الحاكم بكلمة من شعبه، ويوجد من يستمرون لاستخدامهم السياسة المحنكة القائمة على المعرفة بشؤون الحكم الصحيح، وقد سجل التاريخ مواقف مشهودة لمختلف شخصيات الزعماء، والتي مرت على العالم العربي، ومنهم الكثير من كان مكروها، ومنهم من كان محبوبا، ودائما مع اختلاف بصمات الحاكم يبقى الشعب هو الحكم.
الرئيس أو القائد هو رمز البلد، والذي يترك إرثا عظيما يشهد به التاريخ اما له أو عليه، وذلك الإرث التاريخي يجب أن يعرفه من لم يتواجد في هذه الحقبة أو تلك، وهنا للفن رسالة وأهداف سامية كثيرة تنقل لنا حقبات زمنية تاريخية تعطي نبذة عما مررنا به من مواقف وقصص في تلك المرحلة الرئاسية لرئيس ما.
وعندما يحمل الفنان على كاهله دورا مهما في تجسيد شخصية سياسية رئاسية لها تاريخ عميق مليء بصراعات وحقب مهمة صعبة فإنه يجب أن يتسم بالاحترافية والإحساس العالي والدخول في عمق الشخصية وبشكل صحيح، ففي النهاية هو يمثل رمز البلد، وهنا يترقب الجمهور سواء من الفئة المؤيدة أو المعارضة للسلطة كيف سيجسد هذا الفنان الشخصية، وبدوره الفنان يتوجس مما اذا كان سينجح في المهمة بشكل احترافي أم سيفشل في إقناع متابعي العمل، إنه نسخة قريبة من رأس السلطة، لذلك لا بد من السؤال: هل تجسيد شخصيات رؤساء الدول تلفزيونيا وسينمائيا ومسرحيا نعمة أم نقمة على من يجسدها؟
الساحة الفنية العربية سلطت الضوء على هذا الجانب من خلال فنانيها الكبار الذين جسدوا شخصيات بعض رؤساء الدول من خلال التلفزيون والسينما والمسرح، ونستذكر منهم الآتي:
٭ الفنان القدير الراحل عملاق المسرح عبدالحسين عبدالرضا: قام بدور الرئيس المقبور صدام حسين أثناء حقبة الغزو الغاشم في 1990، وذلك من خلال دوره في مسرحية «سيف العرب» التي كادت تكلفه حياته عندما تعرض لمحاولة اغتيال وقتها، رحمة الله عليه.
٭ الفنان الراحل أحمد زكي: قدم شخصية جمال عبدالناصر ببراعة تامة في فيلم «ناصر 56» والذي عرض عام 1996، وأجاد زكي الدور بشكل كبير، ولم يتطرق الفيلم الى الحياة الشخصية أو السيرة الذاتية لكنه تناول مرحلة محددة تعد من أهم وأخطر الفترات التي شهدت تأميم قناة السويس عام 1956، وتطرق إلى جانب من حياته الشخصية مع زوجته وأولاده.
٭ الفنان محمد رمضان: جسد شخصية الرئيس الراحل محمد أنور السادات من خلال مسلسل «تحية كاريوكا»، وقام بتجسيد الشخصية برؤية مختلفة ومنظور مغاير تماما لكل ما تم تجسيده من قبل من أدوار لنجوم جسدوا شخصية السادات.
آراء الفنانين
«الأنباء» طرحت سؤالا على بعض الفنانين الذين جسدوا مثل هذه الأدوار لمعرفة شعورهم وانطباعهم وآرائهم، وهل كانت نعمة وسببا في شهرتهم أم نقمة؟ لأن هناك من جماهيرهم من يكرهون تلك الشخصيات التي جسدوها؟ وكانت البداية مع الفنان القدير جاسم النبهان الذي قال: دور الرئيس أو القائد جزء من تاريخ الدول، والرئيس رمز ويجب ان يكون الدور بجودة عالية وأدوات متمكنة، وسواء كانت شخصية الحاكم خلال مرحلة حكمه ظالمة أو عادلة في النهاية هو جزء من تاريخ البلد ولا نفصله عن التاريخ، وعلينا أن نظهر من خلال الدور ما إذا كان على حق أم على باطل، ويجب أن يمر على تلك المرحلة جيلان على الأقل لتجسيد الشخصية المطلوبة.
وتابع: هناك بعض الفنانين قاموا بتجسيد أدوار عديدة لرؤساء دول وأدوها بطريقة رائعة، لكن ربما لم يصلوا إلى ماذا يريد الجمهور من تلك الشخصية، أو ان جوانب معينة في الشخصية لم تظهر بشكل ملحوظ، وعن نفسي تشرفت بأداء دور الشيخ صباح بن جابر، وكانت تجربة عظيمة سجلت بمشواري الفني من خلال مسلسل «إخوان مريم»، وإذا نويت أداء دور معين مستقبلا فأتمنى أن أمثل شخصية لأحد حكامنا في الكويت أو الخليج.
من جهته، قال الفنان القدير أحمد جوهر: فعلا إذا أدى الفنان دور رئيس دولة فلا بد ان يكون على قدر عال من التعمق والتغلغل بالشخصية، لذلك نرى نجاح الشخصية في العمل، وقد يتعرض الفنان لمخاطر مثلما حدث معي أثناء تقديم دوري في مسرحية «مخروش طاح بكروش»، حيث كنت أجسد شخصية المقبور صدام، وأثناء العرض جاءتني تهديدات هاتفية بالقتل، ناهيكم عن الموقف الذي تعرضنا له أثناء تقديم المسرحية عندما أحضرنا أسلحة حقيقية في تلك الفترة بعد الغزو الغاشم واختفى أحد الرشاشات وطلبت تفتيش الجميع، وقبل دخولنا للفصل الثاني وجدناه مع أحد الأشخاص، وهذه المواقف لا بد ان نتعرض لها.
وأردف: هناك موقف آخر عندما كنت في لندن رآني أحدهم فاعتقد أنني من حرس المقبور صدام او ممن كانوا يعملون بالقصر، وقال لي ان المقبور صدام كان يطلب منهم ان يحضروا أي عمل كوميدي او درامي يتم فيه تجسيد شخصيته ليجلس ويشاهده، مكملا: بالطبع هذه الشخصية كانت مكروهة خصوصا بالكويت، لكن اذا قدمت الشخصية بنفس الإجرام الذي كان يقوم به المقبور فسيكرهني الجمهور أكثر، أما إذا وضعتها في إطار كوميدي وأخرجتها من روحها الأصلية هنا سيتقبلها الجمهور بالتأكيد، ومن ناحيتي فقد أخذتها بنوع من السخرية وتقبلها كل من حضر المسرحية، وبالفعل عملنا ثلاثة أجزاء منها.
بدوره، قال الفنان القدير أحمد السلمان: لقد جسدت شخصية الملك حسين ملك الأردن في مسرحية «مخروش طاح بكروش»، وقد حكم علي هناك في الأردن بالسجن لمدة 20 عاما لتجسيدي شخصيته، وقالوا انه من غير المسموح تجسيد شخصية الملك لأنه رمز الدولة، ونحن كنا نعمل في سياق الدور خلال مشهد ضمن المسرحية، وهو مشهد مؤتمر القمة العربية التي عقدت بعد أيام من الغزو العراقي، وطبعا لم أستطع دخول الأردن إلا بعدما تقلد الملك عبدالله مقاليد الحكم وسقط الحكم وبعدها سمح لي بالدخول، مكملا: لو رشحت لدور حاكم فأتمنى أن أجسد شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لما له من عقل وحنكة تحترم وتقدر، وهو الذي استطاع ان يتحدى وجعل دبي تزدهر وتتطور تطورا مذهلا خلال 20 عاما حتى جعلها تناطح السحاب.