بيروت - عمر حبنجر
حصل ما كان في الحسبان، واستعادت العاصمة اللبنانية بيروت مشهدية حرب السبعينات التي انطلقت من محوري الشياح - عين الرمانة إثر حادثة مرور موكب لإحدى الفصائل الفلسطينية باتجاه مخيم تل الزعتر الشهيرة، فيما كان الموكب العابر الذي فجر الأحداث من مستديرة الطيونة باتجاه قصر العدل، لحركة أمل وحزب الله.
وبعد جولة من الاشتباكات بالرصاص الحي وقذائف الـ «آر بي جي» أسفرت عن سقوط 6 قتلى ونحو 30 جريحا بحسب بيانات وزارة الصحة، عاد الهدوء الحذر الى بيروت.
وانتشر الجيش اللبناني بكثافة بعد أن هدد بأنه سيطلق النار على أي مسلح في الطريق.
وقام بعمليات تمشيط في الأزقة والأبنية بحثا عن أي مسلحين. وانتقلت آلياته وقواته الخاصة إلى داخل الأحياء المتقابلة في منطقتي الشياح ذات الغالبية الشيعية وعين الرمانة بغالبيتها المسيحية.
وفي مشاهد تعيد إلى الأذهان الحرب، بثت قنوات التلفزيون المحلية مقاطع لوابل من الرصاص يرتطم بالمباني ويرتد عنها وأشخاص يهرولون بحثا عن مكان للاختباء، إضافة لمسلحين متشحين بالسواد يطلقون قذائف صاروخية مع فرار عدد من العائلات من مناطق الاشتباك.
وطبعا الحدث لم يكن ابن ساعته، فقد سبقته تهديدات وتحديات، باشرها حزب الله، ضد قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار، الذي يبدو انه اقترب اكثر مما يجب في تحقيقاته بملف تفجير المرفأ في أغسطس 2020.
وقابلتها القوى المناهضة والمدافعة عن إجراءات القاضي البيطار ضد النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق والوزير السابق يوسف فنيانوس، تحت شعار «دعم الدولة بمواجهة الدويلة».
وكان رئيس القوات اللبنانية د.سمير جعجع دعا «الشعب اللبناني الحر» الى الإقفال العام، مع الاستعداد للجوء لأساليب أخرى»، وتلاه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، محذرا من ان الشارع سيقابله شارع.
وقد شرعت حركة أمل، ومعها حزب الله بحشد المناصرين لمظاهرة الأمس، مقابل استعدادات غير ظاهرة في المنطقة المقابلة، جرت اتصالات على مستوى قيادة الجيش، لجعل التظاهرة محدودة ورمزية، وعليه، أعلنت «أمل» أن التظاهرة ستضم محامين ونقابيين فحسب، لكن الواقع تجاوز ما كان متفقا عليه، مع مشاركة ذوي القمصان السود وراكبي الدراجات وتخللها بعض الهتافات الاستفزازية، الى جانب ظهور من يحمل علم حزب الله وحركة أمل.
في المقابل، كان هناك في الجهة الأخرى، من يعتبر المظاهرة الى قصر العدل، بمنزلة اقتحام مرفوض «للمناطق الشرقية».
ومع تحرك المسيرة من مستديرة الطيونة، التي تشكل الحد الفاصل بين الضاحية الجنوبية، والضاحية الشرقية، انهمر رصاص القنص من المباني العالية، فيما كانت طليعة المسيرة بلغت قصر العدل.
وفجأة ظهر السلاح في كل مكان وتفرق المتظاهرون، أمام الرصاص الكثيف والإصابات المتساقطة على الأرض.
وتمكن الجيش من إلقاء القبض على احد القناصة، وتبين وفق معلومات أولية انه ناطور بناية غير لبناني في محلة الطيونة.
وفي الوقت ذاته، صدر عن قيادتي حزب الله وحركة أمل بيانا اتهمت فيه حزب القوات اللبنانية بالقيام «بالاعتداء المسلح» على «التجمع الرمزي أمام قصر العدل».
وقال البيان ان هذه الجماعات «مارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد مما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى».
واعتبر حزب الله وحركه أمل أن هذا «العمل الإجرامي والمقصود يستهدف الاستقرار والسلم الأهلي»، ودعوا «الى تحمل الجيش والقوى الأمنية مسؤولياتهم في إعادة الأمور إلى نصابها وتوقيف المتسببين بعمليات القتل والمعروفين بالأسماء والمحرضين الذين أداروا هذه العملية المقصودة من الغرف السوداء ومحاكمتهم وإنزال اشد العقوبات بهم».
بدوره، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع دعا في بيان له إلى إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عما جرى في العاصمة.
وأضاف: «إن السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، ما يتحتم علينا المحافظة عليه برمش العيون، ولكن ذلك يتطلب منا جميعا التعاون للوصول إليه».
وقال الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان له: «مؤسف وخطير جدا أن تعود إلى بيروت من جديد مشاهد إطلاق النار والقنص التي تذكر اللبنانيين بحقبات مضت وتم طيها إلى غير رجعة».
وشدد «على ضرورة إيلاء الجيش والقوى الأمنية الدعم الكامل لضبط الوضع واستتباب الأمن».
من جهته، دعا مفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان قيادة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية كافة إلى ضبط الوضع وإيقاف الاشتباكات، وأكد ان ما تشهده بيروت مرفوض ومدان والاعتداء على الناس وإزهاق أرواحهم وإنزال الإضرار بممتلكاتهم يزيد من مآسيهم ويعمق الجراح بدلا من بلسمتها.
وقال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان: «كل دم وفتنة وتهديد للسلم الأهلي وفلتان أمني وقع على المحتجين العزل أو سيقع هو بعنق السفارة الأميركية والقاضي طارق البيطا».
وزير الداخلية بسام المولوي تفاجأ بأمر وصفه بالخطر، وهو إطلاق الرصاص على الرؤوس بدليل أن معظم إصابات القتلى الستة والجرحى جاءت في الرأس، وأشار إلى إطلاق قذائف صاروخية (آر. بي. جي)، وقال: «معهم حق المواطنين، شي بخوف».
وفي تعليقه على ما حصل أمس، قال رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي ان «حرية التعبير عن الرأي مقدسة ونحن نحترمها، ولكن لا يمكن أن يفرض أحد رأيه فرضا على الآخرين».
ميقاتي: تلقينا «آر بي جي» ورصاص في غرفة العمليات
أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن حكومته «ماشية» وموجودة، وتشكلت حين وصل البلد إلى الحضيض، واصفا إياها بـ «اسفنجة» لتخفيف أثر الارتطام.
وسأل ميقاتي في تصريح لـ «النهار»: هل ما جرى اليوم هدفه إسقاط حكومتي؟ مضيفا: تذكروا أن هدف حكومتي تخفيف أثر الارتطام.
وتابع: نحن مريض ينزف، وبعد تشكيل الحكومة دخلنا غرفة الطوارئ، وفي غرفة العمليات تلقينا الرصاص والـ «آر. بي.جي»، معتبرا ان ما حصل في الطيونة: محزن جدا الخوف الذي عاشه الأطفال، اتصالاتي الأخيرة مع الجيش تفيد بتحسن الوضع الأمني في الشارع، ومن المفترض أن يكون غدا يوم جديد، والانضباط الأمني غير كاف بل الوعي السياسي ساهم في ضبط الأوضاع.